في جريدة الموقف: منفى في الفلوجة
من هنا وهناك
من منا لا يعرف شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، لكن من منا يعرف حقيقة الاسم "شارون"؟
من قرأ الإلياذة والأوديسا لهوميروس ، يعرف تماماً أن الآلهة الإغريقية عبارة عن عائلة كبيرة تعيش على قمة جبال الأوليمب ، وتحكم العالم ، وكل إله متخصص بشيء ، وأكيد جميعكم سمعتم بل ربما شاهدتم فلم والت ديزي ( هرقل ) والذي هو ابن الإله الأكبر لكنه بلعنة ما سقط إلى الأرض وأصبح نصف بشر ، عموماً ، كان الرومان يعتقدون أن الإنسان عند موته يسافر تحت الأرض ، وقبل أن يعتبر ميتاً حقاً ويرتاح في عالم الموتى ، يجب أن يعبر أولاً نهر الموت ستايكس (Styx ) ولذلك كانوا يضعون مع الميت عند دفنه شيئاً من العملة ، لكي يكون قادراً على الدفع لشارون ( Charon ) فشارون هو ربان قارب الموتى الذي ينقل الناس من أرض ( ما بين الحياة والموت ) إلى أرض الراحة للموتى وهي أرض الموتى ، وحسب الأسطورة الرومانية يتوجب على الموتى بعد قطع نهر ستايكس أن يجتازوا موضع سيربيروس ( Cerberus ) وهو كلب متوحش بثلاثة رؤوس ، مهمة الوحش أن يسمح للموتى فقط بالمرور ، حتى لا يحاول أحد الأحياء الاطلاع على ما يحدث في أرض الموتى ، ثم يصل الموتى أخيراً إلى قضاة الموت .
نذكر هنا أن شارون كان غليظاً شديداً مع الموتى ويعاملهم بإهانة .
ترى الأسطورة الرومانية أن الرجل الوحيد الحي الذي قاتل الكلب المتوحش هو ( هرقل ) و" مو من شطارته " لكن لأنه نصف إله ، فكان أقوى بشري على الإطلاق .
نرى هنا تشابه بين مهمة شارون الإغريقي وشارون الإسرائيلي ، فكلاهما نقل الأحياء إلى أرض الموتى !
أقول "ربما" سُمي شارون باسم الإله الإغريقي أملاً من أهله أن يقوم بعمل شارون الإغريقي مع المسلمين وهي مهمة سامية كما نعلم !
------------------
نسمع في الأفلام الأمريكية نداءات استغاثة عبر أجهزة اللاسلكي ، ونداء الاستغاثة يكون بتكرار كلمة ( ماي داي ) ، فما هو معناها؟ وما هو أصلها ؟
قد يظن البعض أن ( ماي داي ) معناها ( يوم مايو ) لكن الحقيقة أنها التحريف الأمريكي للفظة ( m'aidez ) الفرنسية والتي تعني ساعدوني
------------------
في الأمثال يقال : ( كعب أخيل ) على نقطة الضعف في نظام ما أو شيء ما أو جيش ما ، فما هي القصة التي جعلت الناس يستدلون به على نقاط الضعف ؟
اخيل هو احد قادة جند الاغريق في حصار طرواده . اخيل اختصار اخيليس . وكي يصبح من الخالدين حسب الاساطير الاغريقية كان يجب أن يغطّس في الماء وهو عند ولادته . وعندما قامت أمه بذلك أمسكته من كعب احد قدميه وغطسته في مياه نهر ستايكس ( النهر الذي يوجد بين عالم الموتى وعالم الأحياء ) . فكان هذا المكان الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماء . وأصبح بذلك نقطة ضعفه.
الأمير باريس شقيق هيكتور صوب سهمه نحو كعب أخيل بعد أن علم بقصته وأنه نقطة ضعفه، فسقط أخيل ميتاً لأن السهم كان مسموماً.
------------------
ما هو سبب تسمية العراق بهدا الاسم ؟
هناك آراء مختلفة عن أصل كلمة العراق حيث يرجح بعض المستشرقين أن مصدرها هي مدينة أورك السومرية القديمة والتي تسمى الآن بالوركاء وقد ذكرت مدينة أورك في ملحمةگلگامش حيث قام گلگامش ببناء سور حول المدينة ومعبد للآلهة عشتار، يرى البعض الأخر أن العراق مصدرها العروق نسبة إلى النهرين دجلة و الفرات اللذين ولأهميتيهما شبهتا بالعرق أو الوريد ويرى البعض الآخر أنها سميت بالعراق نسبة إلى عروق أشجار النخيل التي تتواجد بكثرة في جنوب ووسط العراق بينما يرى الآخرون أن أصل التسمية هي عراقة المنطقة الموغلة بالقدم.
Copper (ADSL) Vs FTTH
شلونكم؟ أخباركم؟
تأخرت عليكم أدري، لكن أكو أحداث كثيرة صارت، دا أحس نفسي بفلم يمشي بسرعة!
أحداث سعيدة،، أحداث غريبة..
المهم..
اليوم المطر ما شاء الله ما شاء الله شديد جداً، والمطر هنا بحد ذاته أمر غريب، نعتبر لا نزال في بداية الشتة، لكن سبحان الله الله يجعلها أمطار رحمة ومغفرة..
جان بودي أصورلكم فدشي من المطر، لكن بالكوة جنت أسوق، لأن كليته بخار داخل السيارة والزجاج الأمامي أبيييييييييض بحيث عبالك دا أسوق وسط السحاب، ومن بعيد تلمع كم نجمة،، يا العفو هاي سيارة وراح تضربني! محد يمشي على الخطوط لأن محد ديشوفهة!
جمييييييييييييييييييييييل.. شكد أحب هاية الأجواء الحالمة، لوما لازم أروح للشغل، والمشكلة ماكو يمي لا شباك لا باب لا شي.. ولمدة ثمان ساعات في مكان خنكة، عاااااااااااا
الحمد لله أن المطر مستمر..
وحالياً أجلس على سريري يم الشباك، أكتب كلمة وأريد أكتب بعد لكن مدا أكدر أبعد عيني عن شجيرة الفل المبللة، ولون الأوراق الأخضر الزاهي..
النخلة الواكفة بشموخ، مغسولة وعبالك كاشخة..
وفد شجرة ما أعرف شنية، أغصانها تصعد وتنزل كأنها طفل فرحان يرفرف ويدور حول نفسه..
بزونة حاضنة بتها مدري ابنها ومدارين جوة الجينكو مالت الجيران..
والأجواء الهادئة الناعسة..
الحمد لله،، الحمد لله..
زيييييييييييييييين..
اجة وكت الجد..
أخذنة دورة تدريبية على شبكات جديدة يتم تنصيبها في الإمارات، وهي الألياف الضوئية، وسويت ملخص بسيط للي يحب يعرف معلومات عنها، أكو أشياء حيل تقنية، لكن بلكي البوست يفيد أحد يريد يعرف شي عن هذا المتسلل للبيوت :)
- Copper network elements repeatedly fail, FTTH networks uses connectors where the probability of failure is much less.
- Copper networks are expensive (300 $ per customer a year), FTTH costly effective (100 $ a year).
- FTTH can support high bandwidth applications (HDTV, high speed internet access), Copper has limitations
- Future applications require more reliable (real time) transmission medium, and more bandwidth.
- FTTH improve the service from the customer perspective, fast provisioning, fast shifting, fast configuring
- FTTH has a flexible infrastructure and future proof
- FTTH has less cross talk between parallel cables
- FTTH has lighter-weight cables
- FTTH can be maintained, tested, configured and the troubleshooting can be done remotely
- FTTH is a passive network – no power supply is needed, direct connection with connectors and splitters (FDH) only
- FTTH OLT is Intelligent, the service provider can install Zhone OLT and not install all the port, as for the port is a small devise looks like USB, and costly effective in the sense that if it was installed in a place where not all ports are needed, the required ports (devices) can be added
-FTTH can be supplied for “far away” customers, in contradictory with the copper, as for copper network elements are required, in FTTH technician can extend the fiber cable with less splitting so customer will receiving a good signal.
Fiber:
Optical fiber is a wire with a glass core to transfer the signal in a light speed, but it is flexible.
Optical Fiber parts:
- Core: in the center, carries the light.
- Cladding: contains the light the core reflects, and reflects it back to the core.
- Coating: plastic material, provides protection and strength for the glass.
*There are two types:
- Multimode 62.5 and 50-micrometer core size.
- Single-mode 8।6-micrometer core size. (Used in Etisalat)
More Features:
* Fiber covers 13 km without repeaters, signal remains the same.
* Fiber has less attenuation and dispersion
* Fiber optic is easy to be extended by using splicing and joining
منفـــــى في الفلوجـــــة (3) - النهايـــــة
حُشدت جيوش جرارةٌ للقتال في الفلوجة، كان الجيش المحيط بالفلوجة يكفي لاحتلال العراق كاملة، وكانت ترسانة السلاح تحتوي على كل ما أنتجته مصانع السلاح، حتى الأسلحة النووية والكيمائية والمحرمة دولياً..
وانتشرت المنشورات في الشوارع والبيوت، تدعو أهالي الفلوجة للتعاون وتسليم الزرقاوي، حفاظاً على أنفسهم وأهلهم، ولسان حال الناس يقول:
- وأين هو هذا الزرقاوي؟ ولمَ لم نره أبداً؟!
حاول رؤساء العشائر التفاوض مع القوات الأمريكية، لكن الشرط الأوحد كان هو تسليم الزرقاوي.. لم يكن للزرقاوي وجود في الفلوجة، فرجال المقاومة هم شباب الفلوجة أنفسهم، الذين أبت نفوسهم الأبية العيش في ذل وهوان، فرفعوا سلاحهم ليدافعوا عن أرضهم وبلدهم ودينهم وأعراضهم، وليطردوا المحتل من بلادهم الحبيبة..
سلاحهم الذي كان بسيطاً مقارنةً بالدبابات والمدافع التي جاء بها الجيش الأمريكي، هذا بالإضافة للطائرات، فأكبر سلاح لدى شباب الفلوجة هو الآر بي جي.. كانت حرباً غير عادلة.. لكن الشباب تسلحوا بالإيمان والثقة بنصر الله..
كانت طائرات المحتل تجول في سماء الفلوجة، وتطالب عبر مكبرات الصوت بتسليم الزرقاوي، كما كانت تُسقط قنابل صوتية على المدينة لتثير فزع الأهالي واضطرابهم..
كانت الفلوجة محاصرة ولم تعد المؤون تكفي من في المدينة، والمحال أُغلقت لعدم وجود بضائع، وبدأت تحركات الجيش، ومع اقترابه أكثر من الفلوجة بدا أن الحرب وشيكة وأنها ستقوم بسبب أو بدون سبب..
كان الحل الأمثل هو الخروج من الفلوجة، وبدأت قوافل العائلات تنساب عبر المدينة، النساء والأطفال والشيوخ..
كل من كان يستطيع الخروج من الفلوجة ويعرف أحداً خارجها يستطيع اللجوء إليه، أخذ عائلته وخرج من المدينة..
كان الطريق من الفلوجة إلى بغداد لا يتجاوز خمساً وأربعين دقيقة، إلا أن القوات الأمريكية المحيطة بالفلوجة جعلت الطريق يطول لمدة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ساعة، كانوا يوقفون العوائل ويأمرونهم بالخروج من السيارة، ثم يتركوهم على هذا الحال هذه الساعات، دون ماء أو طعام، ويدفعون الأسلحة في وجوههم لبث الرعب في قلوبهم، ثم يتركوهم يمرون بعد ساعات العذاب الطويل..
لم يبق في الفلوجة سوى العائلات التي لا مكان لها خارج الفلوجة تلجأ إليه، فقبعوا في بيوتهم..
كانت عائلة الحاج أبو عماد مجتمعة في غرفة المعيشة تناقش الوجهة التي سيتخذونها عند خروجهم من المدينة، كان الشباب الثلاثة يريدون البقاء في المدينة ليساعدوا شباب المقاومة في الدفاع عن أرضهم، وقد واجهت رغبتهم هذه اعتراضات من والدتهم وأختهم ونجلاء وسندس، لكن الشباب كانوا مصممين، فقلوبهم تنبض بحب الوطن، ولا يمكن أن يتجاهلوا النداء، لكن كان لابد من إخراج النساء والأطفال وتأمين مكان لهم خارج الفلوجة، والد سندس الذي يعيش في بغداد عرض عليها المجيء عندهم، هي وزوجها وأولادها، أما الحاجة ساهرة فقد فكرت في ابن عمها طارق، فهي لا تعرف أحداً سواه خارج الفلوجة، كانوا يتناقشون عندما انتبهوا فجأة للحاج أبو عماد الذي كان بالكاد واقفاً يستند إلى إطار الباب وهو يقول:
- أنا لن أذهب لأي مكان..
قامت نجلاء بسرعة وأسندته ثم قادته إلى كرسي ليجلس عليه، فما أن جلس حتى قال عماد:
- أبي.. الأوضاع سيئة جداً ولن يبقى أحد في البلد تقريباً، فكل من يعرف أحداً خارج الفلوجة، أخذ عائلته وخرج، والذي يمتلك مالاً أخذ عائلته وأجّر مكاناً في بغداد أو في أي مكان خارج الفلوجة، وبعضهم خرج دون أن يعرف أين سيذهب، بقاؤكم لن يساعد بل سنقلق عليكم، ولن نكون أحراراً في تحركاتنا..
قال والده باستنكار:
- وتريدني بعد أن كبرت، وبعد كل هذا العمر، أن أخرج من داري فأتشرد في العراء أو أن ألتمس السُكنى عند هذا وذاك؟!!
قال عماد:
- لا يا أبي، فنحن والحمد لله نعرف أحداً في بغداد، أقصد عمي طارق، والذي لم يمانع في استقبالكم، بل قال أنه يستقبل الآن في بيته عائلة من الفلوجة.. الناس للناس يا أبي، وإن شاء الله لن تطول المدة ونعود لدارنا.
لكن والده هز رأسه رافضاً وقال:
- اذهبوا أنتم، أما أنا فأعمى، وكبير في السن، فلا أريد أن أخرج من داري التي ألفتها، ولا أن أثقل على أحد..
قالت الحاجة ساهرة وهي تضرب على صدرها:
- مستحيل.. رجلي على رجلك حجي، وحيثما تكون أكون، لن أذهب، سأبقى معك.
أخذ أياد يحاول إقناعها، وتساعده نجلاء، أما عماد فأخذ يناقش والده، ويحاول إقناعه، وكذلك فعل حازم، لكن الحاج أبو عماد أعلن أنه متعب وغير مستعد للكلام وسيذهب للنوم، ساعده حازم ليصل إلى غرفته، وعاد ليشارك في القرار، وبعد نقاش مطوّل اقتنعت الحاجة ساهرة أن تذهب من أجل نهلة، وعلى وعد أن أولادها سيقنعون والدهم ويلتحقون بهم في بغداد، وعائلة عماد ستذهب إلى بيت أهل زوجته، أما حازم وأياد ونجلاء سيبقون في الفلوجة، فلا بد من أحد يعتني بالحاج، وقد كانت نجلاء مصممة على البقاء معه حتى يقتنع، وإن كانت تخفي أمنية داخلية في أن تتسنى لها فرصة المشاركة في الدفاع عن مدينتها الحبيبة..
وهكذا ركب الجميع سيارة عماد، وكان وداعاً بسيطاً لأن الحاجة ساهرة كانت متأكدة أن زوجها سيقتنع خلال يومين، وسيلحقون بهم جميعاً في بغداد، وإن هي إلا أيام ويعودون جميعاً ليعيشوا في منزلهم مع بعضهم من جديد.
رافقهم أياد وحازم فعادت نجلاء وحدها للبيت وأحست بالفراغ، فالبيت قبل قليل كان عامراً بأهله، أما الآن فخاوٍ خصوصاً بعد رحيل أولاد عماد..
كان الوقت عصراً فاتجهت إلى غرفتها لتنقل بعض الأغطية والوسائد، فقد قرر أياد أنهما سينامان في غرفة المعيشة القريبة من غرفة والده حتى يكونوا في خدمته ويسمعوه إذا أراد شيئاً، وأحضرت معها كتاباً عن تريبة الأطفال، قرآناً، وشغل الحياكة الخاص بها، لتقضي وقتها، وحاولت شغل نفسها خلال انتظارها لأياد وحازم، فقامت بترتيب بعض الأشياء وتوزيعها.. حضرت بعض العشاء للحاج أبو عماد، وساعدته في تناوله، ثم جلست تنتظرهما..
عندما تقدّم الوقت، كان القلق يعصف بها، ما الذي أخّر أياد وحازم عن الحضور؟ كان عليهما فقط مرافقة الباقين إلى حدود الفلوجة، لكنهما تأخرا! أين تراهما ذهبا؟ أو ماذا حصل لهما؟
كانت تتنقل من نافذة لأخرى تحاول النظر إلى الشارع من زوايا مختلفة علها تراهم قادمين، كان الظلام قد لفّ الكون، لكن قلبها خفق بشدة حينما لمحت ظل سيارة تقترب، فانطلقت إلى الباب وفتحته تنظر عبر فرجته، وكم كانت فرحتها شديدة عندما وقفت السيارة أمام المنزل ونزلا منها، دخلا وألقيا عليها السلام وهما يلهثان، كانا يبدوان متعبين، اضطربت نجلاء وهي تنظر إليهما، وملابسهما ممزقة في بعض أجزائها، ووقعت عيناها على بقعة دماء على ساعد أياد، فاندفعت إليه تتفحصها، وهي تصرخ:
- ما الذي حصل؟ كيف جُرحت هنا؟ وما الذي حصل للباقين؟
ومن خلفها تناهى صوت الحاج وهو يقول:
- خير إن شاء الله.. خير إن شاء الله..
أجابها أياد وهو يجاهد ليلتقط نفسه:
- الجميع بخير.. لم يحدث لهم شيء..
قالت نجلاء بصوت مرتعد وكأنها لا تصدق:
- قل الحقيقة.. كلهم بخير؟ لم يُصب أحد؟
نظر إليها أياد بإجهاد وقال:
- أكيد.. أكيد.. سأحكي لك فيما بعد.. أريد بعض الماء.. أشعر بالعطش الشديد..
لكن الحاج سأله بقلق:
- قل يا ولدي ولا تخفي علينا.. قل الحقيقة.. أمك بخير؟ أختك؟ أخوك؟ أولاد عماد؟
ابتسم أياد وقال:
- نعم.. كلهم بخير.. والله العظيم هم بخير..هه صدقتموني؟
أومأ الحاج برأسه وقال:
- الحمد لله.. الحمد لله..
ركضت نجلاء وأحضرت ماء وكأسين وقدمت لهما، ثم أحضرت بعض المواد المطهرة وأخذت تداوي جرح أياد وهي تسأله:
- ولكن كيف أُصبت؟ هل هاجموكم وأنتم ذاهبون أم وأنتم راجعون؟
قال أياد والانهاك بادٍ على محياه:
- نجلاء أنا ميت من الجوع، بعد أن آكل سأحكي لك كل شيء.. اتفقنا؟
ابتسمت نجلاء باعتذار وقالت:
- بالتأكيد جائعان، فلم تأكلا منذ العصر والساعة الآن تقارب منتصف الليل..
ذهبت إلى المطبخ لتحضر لهما شيئاً يأكلانه، ولما لم يبق الكثير من المؤون، بعد الحصار الذي ضُرب على الفلوجة، كانت نجلاء قد حضرت ما وجدته ليتناولوه فوضعت بعض الجبن وأخرجت علبة المربى الأخيرة من المخزن، وما بقي من الخبز الذي خبزته صباحاً الحاجة ساهرة، حضّرت بعض الشاي ثم ذهبت بالعشاء إلى حيث جلس أياد وحازم في غرفة المعيشة لكنها وجدت أياد قد نام، فقدمت العشاء إلى حازم وذهبت لتحضر غطاءً تغطي به أياد، ثم جلست قبالة حازم وقالت له:
- أخبرني ما الذي حصل؟
ضحك وقال:
- يا زوجة أخي ألن تتركيني أتناول الطعام فقط؟
فقال الحاج:
- إن كانت هي ستنتظر أنا لن أنتظر.. لماذا جُرح أياد؟ كيف؟
نظر إليهما حازم وقال بانصياع:
- حسناً.. أولاً أرجوكما ألا تقلقا فعلاً، فقد أوصلنا الجميع إلى الحدود بسلام، وإن شاء الله سيكلموننا عندما يصلون إلى بغداد ليطمئنونا، فأنت تعرفين أن قوات الاحتلال تعرقل كل الخارجين من الفلوجة..
قاطعته بلهفة وقالت:
- الحمد لله أنهم بخير، لكن لم أنتم متعبون، ولم هذا الجرح في ساعد أياد؟
نظر بإشفاق ناحية أخيه وقال:
- بعد أن أوصلناهم، اقترحتُ أن نذهب مباشرة إلى قائد شباب منطقتنا الأخ عبد المحسن، لنعرف كيف سنساعدهم، وكيف سنتصرف في الأيام التالية، وعندما يبدأ الاقتحام، فالمقاومة منظمة الآن وهم يضعون الخطط ويرتبون توزيع السلاح، وعندما وصلنا إلى عبد المحسن بدا كأنه ينتظرنا، قال أنه فعلاً بحاجة إلى شباب لإحضار بعض السلاح الذي هرّبه بعض الإخوة سابقاً ولم يستطيعوا إحضاره في ذاك الوقت لأن جنود المحتل كان قد كثفوا المراقبة في تلك المنطقة، فأخفوه بجانب النهر، وكان دورنا فقط أن نحضره من هناك، كانت مهمة بسيطة، ذهبنا ومعنا عبد العزيز أحد الشباب الذين أخفوا السلاح، ووصلنا إلى هناك، وحملنا الصناديق إلى السيارة، وعندما كنا ننقل آخر الصناديق سمعنا صرخة ويبدو أنهم تنبهوا لوجودنا، فقد أمطرونا بالرصاص، عندها أصيب أياد..
نظرت ناحية أياد بحزن وهي تقول:
- الحمد لله على سلامتكما، والحمد لله أن جرح أياد ليس خطيراً، لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟
ابتسم حازم في إنهاك وقال:
- الحمد لله.. استطعنا الوصول للسيارة والانطلاق بها، بعضهم حاول أن يتبعنا، لكنهم لم يستطيعوا التوغل في الفلوجة، حيث بدأ إطلاق الرصاص من بعض الشباب المرابطين على حدود الفلوجة..
التمعت عيناه جذلاً وهو يتابع:
- أشعر بالسعادة في روحي وقلبي لأني ساعدت في إحضار السلاح، لقد أخبرنا عبد المحسن أن نبقى في منازلنا، وأن نخرج للقتال فقط إذا حصل اشتباك في المنطقة، لا تعرفين كم هم منظمون، لقد رأيت سالم هناك، وعدنان، ومحمد وعبد القادر، والكثير ممن نعرفهم من جيراننا ومعارفنا، وقد قسّم عبد المحسن المهام على الجميع..
قالت نجلاء بحزن:
- ألا يوجد دور لي؟
سمعت صوت أياد الذي استيقظ وهو يقول:
- نعم بالطبع.. أنت تعتنين بوالدي..
ضحكت ونهضت قائلة:
- الحمد لله على سلامتك.. هل أحضر لك العشاء؟
نظر أياد لها بامتنان وقال:
- نعم إذا سمحت.. فأنا لا أعرف كيف غفوت وأنا جائع لهذه الدرجة.
ضحكت واتجهت إلى المطبخ لتحضر له العشاء.. في الأيام التالية كان القصف يتكرر مرتين يومياً.. كان الجميع يجلسون في غرفة المعيشة، وكل واحد منهم يحاول قطع الصمت بإثارة موضوع ما، غير أن الموضوع كان ينتهي بسرعة مخلفاً صمتاً ثقيلاً، حاول أياد مناقشة والده في موضوع ذهابه إلى بغداد غير أنه كان رافضاً وبشدة..
ذات مساء جلست نجلاء لقراءة كتابٍ وهي تنظر للساعة كل حين، حيث يبدو أن الوقت لا يمضي، وعقارب الساعة ثابتة، كم تفتقد سندس ونهلة، كانوا دائماً يختلقون لعبة ما، أو تتحدث مع سندس أحاديث لا تنتهي عن الأولاد، والتربية، والخياطة والتطريز وقراءة الكتب، وهي الهوايات التي كنّ يتشاركن فيها.
كان أياد يرسم بعض المخططات المطلوبة في عمله، ففرع الشركة في بغداد لم يتوقف عن العمل كفرع الفلوجة، ولا يزالون يحتاجون له، فتركته نجلاء لعمله.. ووقفت بجانب الشباك تنظر منه إلى المدينة الحبيبة، والهدوء يلفها، لا أصوات أو أضواء، نسمات هواء بسيطة تهب فتحرك سعفات النخيل التي كانت ظلالها تتراءى عبر ضوء القمر الذي يضفي ضوءه الفضي على البيوت وحدائقها..
كانت تسمع بعض الكلمات من حديث أياد وحازم المتقطع عندما شاهدت ضوءاً برّاقاً أضاء السماء، فأعماها عن الرؤية لحظات، تبعه صوت انفجارٍ شديد قطع كل حديث، ما عدا صرخة نجلاء، التي امتقع وجهها خوفاً وفزعاً، فانطلق أياد إليها وسحبها ليجلسا إلى جانب والده الذي كان يبسمل ويحوقل، وتبع هذا الانفجار سلسلة من الإنفجارات القوية التي كانت ترج الأرض رجاً، كان الجميع يذكرون الله، ويسبحونه ويستغفرونه، ولمدة ساعتين كاملتين لم يتوقف القصف، وفجاة هدأ كل شيء، فجأة كما بدأ، لم يصدق أحد أن القصف انتهى حتى مرت ربع ساعة، عندها نظر بعضهم إلى بعض في رعب، فقد كان هذا القصف يعني أن الحرب قد بدأت ولا هدنة هنالك.. وأنه لم يعد من مجال للذهاب إلى بغداد..
كان الجميع يظن أن الجيش سيقتحم الفلوجة وربما يفتشون البيوت بحثاً عن الزرقاوي، لكن أن تُدار الحرب من بعد عن طريق القصف والصواريخ فهذا ما لم يظنه أحد، إذ أنه يعني أن الجيش الأمريكي لا يبحث عن الزرقاوي، بل يهدف إلى هدم الفلوجة كاملةً، وقد تأكدوا من هذا عندما استمر القصف من جديد بعد نصف ساعة، واستمر الحال لمدة ثلاثة أيام، حتى تخيلت نجلاء أنه لم يبق بيت في الفلوجة لم يسقط الآن سوى بيتهم الذي حفظه الله بدعائهم المستمر..
كانوا يصلون وهم جلوس، أو في فترات انقطاع القصف، وفقد الجميع شهيتهم لأي طعام، فلم يكونوا يأكلون سوى القليل الذي يقيم أودهم.. كانوا يستغفرون الله ويذكرونه ويدعوه في كل دقيقة..
كان حازم يريد أن يعرف ما الذي يجري في الخارج، فقد كانوا أحياناً يسمعون بعد القصف بكاءً وصراخاً، لكن لا أحد يستطيع الخروج من داره..
في اليوم الرابع من بداية القصف، وعندما أشرقت الشمس، توقف القصف على غير عادته في الأيام الفائتة، توقف لمدة ساعتين كاملتين، فخفقت قلوب الجميع أملاً في الفرج أخيراً، وكان حازم يطل من النافذة يحاول معرفة الوضع في الخارج، كان متحمساً وهو يشرح الأدلة على أن القوات انسحبت، ثم رأى جارهم سعيد وهو يمد رأسه خارج الباب ليتأكد أيضاً من أن الأمان المفقود قد عاد للمدينة، وبعد لحظات وبصوت مكتوم، سقط سعيد على الأرض غارقاً في دمائه.
ذُهل حازم، وصمت فجأة بعد أن كان يتحدث، فانطلق إليه أياد ومد رأسه ليطالع ما كان حازم يراه وقال:
- ما بك؟ هل رأيت شيئاً؟
ثم سكت هو الآخر عندما رأي جنوداً أمريكيين يبرزون من خلف المنعطف، ووقعت عيناه على جارهم فصرخ:
- الجبناء.. ماذا يريدون الآن؟ هل سيمرون على كل بيت ليقتلوا من فيه؟
ابتعد هو وحازم إلى جانبي النافذة وهما يراقبان، وكانت نجلاء تنظر إليهما في جلستها بقرب عمها، وقد انعقد لسانها من الخوف، وكان الجنود يتقدمون مع دبابة كبيرة، ويفتشون بأعينهم عن كائن حي ليقتلوه..
كان بعضهم ينفصل عن المجموعة ويقفون على مسافات متباعدة على طول الشارع، انطلق حازم إلى زاوية الغرفة ليخرج سلاحه الذي أعطاهم إياه عبد المحسن، لكن أياد وضع كفه على كتف أخيه وهو يقول:
- لن تخرج.. حازم.. هذا ليس اشتباكاً..
نظر إليه حازم وقال:
- ولكن..
قاطعه أياد وكلامه يقطر حزناً:
- هذا اقتحام.. لن تستطيع فعل شيءٍ بمسدسك البسيط هذا.. ألا ترى أعداد الذين دخلوا؟ ولكن أين عبد المحسن؟ أين الشباب؟ هل حصل لهم شيء؟ أم أنها خطة لاستدراجهم لمكان ما؟
أطاع حازم أخاه، وعادا إلى النافذة يتابعان الدبابة حتى اختفت عن ناظريهما..
عادا يجلسان على الأرض، والقلق يغلي في أعماقهما، أما حازم فقد انزوى بعيداً عنهم، حيث بدا مصدوماً من مقتل سعيد، لمجرد أن أطل من الباب، وتخيل وقع الخبر على أهل سعيد الذين رأوه بالتأكيد وهو يموت أمام أعينهم دون أن يستطيعوا مساعدته أو حتى دفنه، فخلال الأيام التالية، بقي سعيد كما هو، وكما سقط، دون أن يستطيع أحد أن يفعل لجثمانه شيئاً..
كان الجنود لا يزالون يطوقون البيوت، فهم يتغيرون ويغيرون أماكنهم، لكن المكان محاصرٌ ولا سبيل للخروج من المنزل، وكان القصف مستمراً في أماكن بعيدة حيث يصل صوت الانفجار خافتاً، كان البرد يزداد شدة، وحتى داخل المنزل كان البرد شديداً إذ لم يبق غاز يكفي لإشعال المدفأة رغم اقتصادهم الكبير في استعمالها، وعندما حل المساء أصبح الجو أكثر برودة، كان برداً قارساً يتجاوز الجلد واللحم لينخر العظم رغم كل الطبقات التي تدثروا بها، وكانت رياحٌ شديدة البرودة تعبر النافذة المغلقة من خلال شقوقها الصغيرة، فقام حازم وبحث في البيت عن ورق ( كارتونة ) ليغطي بها النافذة التي تأتي بالزمهرير من الخارج، وأخيراً وجد واحدة، فاتجه إلى النافذة ليثبت الورقة عليها، وما إن أزاح الستارة حتى سمع أياد ونجلاء والحاج صوت تحطم زجاجٍ، ثم صوت رصاصة مدوية، توقف حازم عما كان يفعله، وتشنجت حركاته، استند على النافذة ثم سقط وهو يطلق همهمات خافتة، لم يدم ذهول الباقين سوى لحظات أطلقت فيها نجلاء صرخةَ رعبٍ، وصرخ أياد وهو ينطلق إلى أخيه:
- حازم.
وفي اللحظة التي وصل فيها إلى أخيه، دوت رصاصات أخرى عبرت النافذة المحطمة لتخترق رقبة أياد وصدره فتناثرت دماؤه وسقط مباشرة فوق أخيه، صرخت نجلاء بأعلى صوتها، وصرخت وصرخت وهي تبكي، ثم زحفت إلى حيث زوجها وسحبته من فوق أخيه، وأخذت تربّت على خده وتكلمه:
- أياد.. أياد.. حبيبي أياد.. أياااااااااد..
أخذت تبكي في حرقة وهي ترى الدماء الحارة تندفع من رقبته وصدره لتغرق الأرضية حولها، ونظرت باتجاه حازم، والدماء تغرق صدره، فوجدته مفتوح العينين وقد فارقتهما الحياة..
أخذت نجلاء تبكي وتبكي وهي تحتضن جثة زوجها، الجثة التي كانت منذ لحظات نابضة بالحياة، كانت تبكي دون توقف، وتصرخ.. تصرخ ألماً وحزناً، ثم التفتت إلى الحاج فوجدت عينيه المغلقتين تسكبان الدمع مدراراً، وضعت نجلاء رأسها على صدر جثة زوجها، لم تعد تتمالك نفسها، لقد فقدت في لحظة شخصين عزيزين، فقدت زوجها الحبيب، زوجها منذ خمسة أشهر فقط، زوجها الذي أحبته بكل قلبها، وملأ حبه قلبها وحفظته بين ضلوعها، كانت تنظر إليه بين اللحظة والأخرى لتتأكد من أنه قد مات، كانت تتمنى أن ترفع عينيها لتجده حياً، ربما مصاباً فقط، لكن في كل مرة كان تطالعها الدماء وملامح وجهه الذي فارق الحياة، فيعيدها ذلك من خيالاتها فتغرق في البكاء من جديد..
لم تدر كم مر عليها وهي على هذا الحال، كانت تبكي ثم تفيق دون أن تشعر أنها قد غابت عن الوعي، فتنظر إلى أياد وحازم فتعاود البكاء والصراخ من جديد ودون أن تدري تغيب عن الوعي.. وقد استيقظت ذات مرة ورأت عبر النافذة إلى السماء التي كان لونها برتقالياً غريباً، لم تدرك السبب، فقد وقعت عيناها على الجثتين فعادت للبكاء من جديد..
كانت السماء برتقالية بفعل الأسلحة التي استخدمها المحتل، والتي لم تكن أسلحة عادية، فقد كانت السماء تشع بأنوار فسفورية، وتتناثر هذه الأضواء كأنها سائل لتغطي كل شيء، ومباشرة بدأت الأمطار بالهطول، كانت أمطاراً غزيرة جداً، سببت فيضاناً فامتلأت الشوارع والبيوت بماء المطر..
مر يومين ونجلاء على هذا الحال، وعندما استيقظت هذه المرة كان ذلك بسبب الماء، شعرت بأنها تجلس في ماء بارد، وعندما عادت لوعيها تماماً سمعت صوت المطر يتساقط غزيراً في الخارج، والماء قد ملأ البيت تماماً، وكانت هي جالسة وسط بركة من الماء والدماء، نظرت إلى زوجها وإلى حازم، فأغلقت عيني حازم، وقبّلت زوجها على رأسه قبلة وداعٍ، والدمع يملاً مقلتيها، كانت تبكي وبشدة، وكان جسدها منهكاً من كثرة البكاء ومن البرد والبلل، لكنها تحاملت على نفسها واتجهت إلى عمها الذي نام في مكانه، وكان واضحاً أنه بكى كثيراً حتى نام، أيقظته، وساعدته على الوقوف، ثم مشيا عبر الماء الذي أغرق المكان، اتجها إلى الدور العلوي، وكانت نجلاء تمسح عينيها كل لحظة حتى تتمكن من رؤية الدرج بشكل صحيح، أوصلت عمها إلى غرفة في الأعلى، ثم نزلت الدرج وهي تتحاشى النظر إلى غرفة المعيشة..
كان يجب عليها أن تحافظ على حياتها وحياة عمها، فاتجهت إلى المطبخ، لم تدر كيف جاءتها القوة لتقوم بكل ما تقوم به، كانت طاقة من عند الله الرحمن الرحيم، كان كل شيء يسبح في الماء، فاتجهت إلى كيسي الطحين والأرز، وكان الماء قد بلل جزءاً كبيراً منهما، ففتحتها، وجلبت كيساً آخر وبدأت تنقل الطحين والأرز غير المبتلين بيدين مرتجفتين من كثرة البكاء، حملت الكيسين إلى الطابق العلوي، كان جسدها مرهقاً واهناً، لكنها عادت لتبحث عن الماء، فوجدت ما بقي من الماء وكان ستة قناني بلاستيكية، حملتها اثنتين اثنتين إلى أعلى، ثم استبدلت ملابسها المبتلة، وهنا كانت كأنما أنهت المهمة التي أمدها الله بالقوة من أجلها، استلقت وغابت عن العالم وهي لا تزال تشهق وتبكي..
لم تدرِ كم نامت، غير أنها استيقظت يهزها عمها بيده وهو يناديها:
- نجلاء.. نجلاء..
كانت قد نامت نوماً دون أحلام، لكن استيقاظها من النوم أعاد لها ذكرى ما حدث فانخرطت في البكاء من جديد، فقال لها عمها ودموعه على خده:
- يا ابنتي.. دعينا نستغفر الله.. اذكري الله.. اذكري الله..
قالت نجلاء من بين دموعها:
- لا إله إلا الله..
تابع عمها كلامه وهو يكفكف دمعه:
- لقد مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفلذة كبده، وعمه حمزة رفيق طفولته، وزوجته خديجة رفيقة دربه،فما كان من النبي الكريم إلا أن يقول:" إنا لله وإنا إليه راجعون "، قوليها يا ابنتي.. قوليها يربط الله على قلوبنا..
بصوت مختنق مرتجف وعبر شهقاتها قالت نجلاء:
- إنا لله وإنا إليه راجعون.
ربّت عمها على كتفها وهو يبكي ويقول:
- اللهم صبرنا.. اللهم صبرنا..
بعد فترة من البكاء هدأا فقال الحاج لنجلاء:
- لا يوجد لدينا ماء أليس كذلك؟ مكتوب علينا أن نموت جوعاً وعطشاً، لا إله إلا الله.
إلا أن نجلاء قالت:
- لا يا عمي عندنا ماء والحمد لله، لكنه قليل، سأحضر لك منه، أنا آسفة يا عمي قصرت في حقك.
قال لها عمها:
- لا يا ابنتي.. لا تعتذري.. أنت لم تقصري في شيء.. بارك الله فيك..
خلطت نجلاء بعض الطحين بالقليل من الماء صانعة منه عجينة طرية، وقدمتها لعمها وقالت:
- هذا ما عندنا، قليل من ماء وطحين وأرز، وعلينا أن نتدبر أمرنا في حدودها إلى أن يفرجها الله.
تناول منها عمها العجينة وأكل منها على كراهة، ثم شعر أنها لا تأكل، فقال لها:
- ألا تأكلين؟ يجب أن تأكلي حتى لا تموتي، توكلي على الله وسمّي بالله..
كانت نجلاء تعرف هذا لكنها لم تكن تستطيع أن تضع في حلقها لقمة طعام، ولما كان عطشها شديداً، استطاعت بصعوبة أن تشرب جرعتين من الماء..
كانت تفكر أنها بحاجة لأن تصلي حتى تريحها الصلاة، ويريحها الحديث مع رب العالمين، وكانت ترى من خلف الستارة أن النهار ينقضي، لم تكن تعرف كم مرَّ عليها من الوقت، ولم تعرف كم يوماً مر، وكم صلاةً فاتتها، أرادت أن تتوضأ لكن لا ماء ولا كهرباء فتيممت، ووقفت على السجادة تصلي..
كانت تصلي بلا عدد ولا حساب، تصلي الركعتين تلو الركعتين، وعندما قدرت وقت المغرب صلّته، ووقت العشاء صلّته، وكانت في صلاتها تبكي وتبكي وتشتكي حزنها إلى الله..
وكلما حاولت مخيلتها أن تعود للحظات استشهاد أياد وحازم كانت تمسك القرآن وتقرأ به، حتى تشغل فكرها بغير هذا الأمر..
بعث الله في روحها قوة نفسية هائلة، وإلا كانت ستموت هي الأخرى، فكل هذه الأهوال كبيرةٌ على عاتق أقوى الرجال، فما بالها بفتاة لا يتجاوز عمرها العشرين؟! إلا أن جزءً من تحاملها على نفسها كان اهتمامها بعمها، كانت تحاول إخفاء حزنها عنه، وتتظاهر بالصبر ورباطة الجأش حتى لا تُحزنه، وكلما رأته يبكي، أخذت تحاول أن تسرّي عنه، وكذلك هو كلما أحس ببكائها حاول محادثتها ليسرّي عنها، كانا يجبران نفسيهما على الأرز النئ والطحين المعجون بالماء حتى يبقيا على قيد الحياة، وكانا يشربان الماء بحرص وتقتير..
لم تحاول نجلاء الاقتراب من النافذة الموجودة في الغرفة، ولا حتى النزول من الطابق العلوي، كان الخوف يُلزمها مكانها، فلم تكن تعرف ماذا سيحدث لو دخل عليها الأمريكان، كما أن النافذة – ومنذ الحادث – أصبحت مكاناً محرماً خطيراً..
كانا يسمعان القصف والتفجير وأصوات الرصاص..
وكانا يصليان، ويقرآن القرآن..
ويدعوان..
**********************************************************
في بغداد كان القلق يعصف بالجميع، الحاجة ساهرة، نهلة، عماد، وأهل نجلاء.. لم يكن أحد يستطيع معرفة أي شيء عن الفلوجة، كانت الفلوجة الآن منطقة محرمة، لا يستطيع أحد دخولها، انقطعت الاتصالات بينها وبين العالم الخارجي، كل ما كانوا يستطيعون فعله هو الدعاء ليفرّج الله الأزمة، ويحفظ الجميع..
بعد خمسة وأربعين يوماً من بداية حرب الفلوجة، سُمح للناس بدخولها لكنه دخول مقيد، فقد كانت طوابير كثيرة من العائدين تقف أمام الفلوجة تنتظر السماح لها بالدخول، وقد هُرع والد نجلاء السيد عبد السلام إلى حدود الفلوجة عندما سمع الخبر، فقد كان يتوق للاطمئنان على ابنته، وإن كان يشوب قلبه قلق من أن لا يراها..
كان الكثير من الواقفين في الطابور تتم إعادتهم ولا يُسمح لهم بالدخول، وكان الناس يقفون في الطابور يوماً كاملاً وأحياناً تصل مدة الانتظار إلى ثلاثة أيام حتى يُسمح لهم بالدخول، ووقف عبد السلام وابنه يومين كاملين، نالهما خلالها التعب والإنهاك، لكنه ما أن دخلا الفلوجة حتى نسيا كل تعبهما، كانا يبحثان عن نجلاء، لكن ما كان يريانه في الطرقات كان يذهلهما كثيراً، فالجثث في كل مكان، أمام الأبواب، في الشوارع، كانت الجثث متحللة تنشر روائحَ كريهةًً، وكان منظرها مُقبضاً، بالدماء المتجمدة عليها، والإصابات الخطيرة، مرا بجانب جثة رجل كان يحمل طفلةً صغيرةً في يد، وفي اليد الأخرى قطعة قماشٍ بيضاءَ واضح أنه كان يلوّح بها ليذهب إلى مكان ما..
لم يتمالك الحاج عبد السلام نفسه، ووجد نفسه يبكي، كأن الموتى من أهله، كيف لا وهم مسلمون، ومن أهل بلده، وفوق كل هذا هم بشر.. بشر أبرياء لم يفعلوا شيئاً..
وعندما دخلا المنطقة التي تسكن فيها ابنته، لم يستطع التقدم لفرط ذهوله وبكائه، فقد كانت الجثث هناك غريبة الشكل، كان الجلد قد انفصل عن اللحم كأنه رداء خارجي، وكانت الجثث محترقة إلا أنها كانت محتفظة بثيابها سليمة كاملة، وبعضها كان قد ذاب اللحم فيها فاختلط مع العظم في منظر بشع جداً، لم يرياه في أسوأ كوابيسهما ولم يتخيلاه يوماً..
كان الألم يجتاح مشاعرهما، وكان رعب الحاج عبد السلام يتزايد كلما رأى ذلك خوفاً من أن يكون هذا مصير ابنته، حاول طرد هذه الأفكار من عقله، غير أن مرأى الجثث أمامه كان يحول بينه وبين ذلك..
أسرع الخطى باتجاه البيت المقصود، وهو يتحاشى النظر إلى الجثث المرتمية في كل مكان، وشبح الموت الذي يجول بين البيوت.. دق الباب ولكن لم يرد أحد، وعندما حاول فتحه وجده مغلقاً فبحث عن شيء ليكسر الباب، وانهال بالضربات على قفل الباب فخلعه واندفع إلى الداخل يبحث عن ابنته الوحيدة..
في هذه الأثناء لم تكن نجلاء تعرف شيئاً عن العالم الخارجي، ولم تعرف أن الحصار المميت قد انفك طوقه، وأن هناك الآن من يدخل الفلوجة، فلازال القصف مستمراً وإن كان متباعداً.. كانت تقرأ القرآن عندما سمعت ضربات على الباب، فانسحب الدم من وجهها، وارتجفت بشدة، قالت في نفسها: لابد أن هؤلاء من الأمريكان، وسيدخلون البيت ليبحثوا عنا ويقتلونا.. كان تفكيرها فيما يمكن أن يفعلوه قبل قتلها يكاد يقتلها رعباً، نظرت إلى عمها الذي توتر بدوره لسماعه الضربات، قامت إليه وأسندته ليذهبا إلى زاوية الغرفة، واختبئا هناك خلف قطعة أثاث، وهي تدعو الله وتقرأ الآية:
- وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون.
ومع الأصوات التي انتشرت في المنزل كان قلبها يزداد خفقاناً، وأنفاسها تلاحقاً، وانتبهت إلى أن عمها يعتصر يدها في كفه، يكاد الرعب يفتك بهما، وهي لا تزال تتلو الآية، ومع اقتراب الخطوات من باب الغرفة التي كانا فيها سمعت صوتاً بدا كأنها تعرفه، كاد قلبها يتوقف وهي تنصت، ثم ومع انفتاحةِ الباب، سمعت صوت والدها وهو ينادي:
- نجلاء.
وما أن رأته حتى بدا لها كأن نوراً ساطعاً أضاء في عينيها، وشعرت أن قلبها وجد الراحة أخيراً، وأن روحها خفيفة تطير.. تطير..
سمع الحاج أبو أياد صوت من ينادي على نجلاء، فاطمأن قلبه، وصرخ:
- هنا.. نحن هنا.. ساعدونا..
اندفع الحاج عبد السلام واحتضن ابنته التي وقعت في غيبوبة، احتضنها في سعادة وهو يملأ عينيه منها، فبعد أن وجد الجثتين المتحللتين بالأسفل بات الأمل في قلبه ضعيفاً بإيجاد نجلاء على قيد الحياة، والتفت إلى ابنه الذي كان يساعد الحاج أبو عماد على الوقوف، وقال له والحزن يختلط بكلماته:
- الحمد لله على سلامتكم يا حاج، الحمد لله على سلامتكم..
خرج الجميع من المنزل، وذهبوا إلى بغداد، ورقدت نجلاء والحاج أبو عماد في المستشفى لما كان يحتاجه جسديهما من عناية بسبب عدم توفر الطعام المناسب وقلة الماء..
وعندما أفاقت نجلاء من غيبوبتها لم تعد تستطيع الكلام، إلا أن مخيلتها ستحمل دوماً صورة مقتل أياد وحازم أمام عينيها، وذكريات المنفى في بيتٍ في الفلوجة، متذكرةً دائماً أن هذا الحلم هو ما جاءت أمريكا لتحقيقه..
حلم الحرية.. والعدل..
والديموقراطية..
الديمقراطية الأمريكية..
كل عام وإنتم بخير
منفـــــى في الفلوجـــــة (2)
ملاحظة: القصة هي تسجيل لأحداث وقعت، وقدلا يكون لبعض الأحداث علاقة بالقصة الرئيسية، لكنها حدثت في نفس الفترة الزمنية، وذكر الحدث لا يعبر عن رأيي فيه.
في فندق الرشيد، في المنطقة الخضراء التي تستخدمها القوات الأمريكية كقاعدة ومنطقة أمنية خاصة بقياداتها والقيادات العراقية الموالية لها، وقف أربعة أجانب في ثياب مدنية، يتحدثون مع الجنرال مايكل، كانت الأوامر التي أعطيت له تقضي بتوفير كل التسهيلات لهؤلاء الأربعة، فهم خبراء من الموساد استعانت بهم المخابرات الأمريكية (CIA) لإحكام سيطرتها على العراق، فالموساد لهم خبرة طويلة مع العرب، وباع طويل في أساليب قتالهم ومقاومتهم وردعهم!!
كان القادة في الموساد قد أبدو رغبة قوية في المساعدة بمقابل الكثير مما تستطيع أن تقدمه أمريكا لهم من خيرات العراق، سواء من النفط، أو تسهيلات لليهود بتملك أراضي على العراق، فأرسلوا أربعة من أكفأ رجالهم وأكثرهم خبرة، كانت وجهتهم التالية هي قاعدة الحبانية العسكرية، وكان الجنرال يشرح لهؤلاء الأربعة الطريق الذي سيستخدمونه للوصول إلى هناك، وكان الطريق الوحيد المؤدي إلى الحبانية يمر عبر الفلوجة..!
ولما كانت الفلوجة تثير القلق فقد تم تجهيز الضيوف بأسلحة كثيرة وقوية، وسيارة على درجة عالية من التصفيح، ولبس الرجال ملابس مدنية للتمويه، فلا يعرفهم أحد..
أوصلهم الجنرال إلى السيارة، وزودهم بما يحتاجون إليه، وتابعهم بعينه حتى اختفوا، وتنهد كأنما قد انتهى من مهمة ثقيلة..
داخل السيارة كان رجال الموساد يتندرون ويضحكون على كل من يرونه، وكانوا يأكلون ويشربون ويمرحون، وعندما اقتربوا من الفلوجة، جهزوا أسلحتهم، فقد سمعوا عنها الكثير من جنرالات الجيش خلال الأيام الفائتة، فهي مدينة يرفض أهلها الخضوع لأمريكا، كما أنهم يشكلون جماعات مسلحة تقاوم الوجود الأمريكي والديموقراطية الأمريكية..
وعندما دخلوا الفلوجة سخروا في أنفسهم من كل ما سمعوه، فهي مدينة بسيطة جداً ويبدو الفقر في أنحائها، ولا يوجد فيها شخص واحد يحمل سلاحاً.. وكانت الأمور تمر بسهولة، ثم وعلى التقاطع الكبير في وسط الفلوجة اضطروا للوقوف، وقد أتاح توقفهم فرصة ليراهم المارّة، كان الناس ينظرون إليهم باشمئزاز فمنظر السيارة الحديثة يدل على أن ركابها من المحتلين..
ومن خلفهم على بعد عدة سيارات، وقفت سيارة كانت تراقبهم منذ أن دخلوا حدود الفلوجة، وفي داخل السيارة قال أحد الجالسين:
- هذه سيارة المخابرات التي وصلتنا أخبارها، استغلوا فرصة الازدحام ووقوفهم على التقاطع، لن نجد فرصة أفضل، فسيارتهم مصفحة، ولن يتوقفوا حتى يصلوا إلى القاعدة، توكلوا على الله.
نزل ثلاثة ملثمين من السيارة وبقي فيها السائق، واتجهوا إلى السيارة بخطوات سريعة خفيفة وطوقوها من جهات مختلفة، وبدأوا بإطلاق النيران وحناجرهم تهتف:
- الله أكبر.. الله أكبر..
سُمعت بعض الصرخات، وابتعد الناس عن السيارة، ووقفوا من بعد يراقبون ما يحدث، كانت الرصاصات تنطلق فتصيب السيارة، فتخدشها فقط، تسمّر رجال الموساد للحظات على الرغم من أنهم في سيارة مدرعة، ثم حاول سائقها الانطلاق بها غير أن السيارات التي تركها أصحابها حولهم كانت قد أغلقت الطريق، فاستل سلاحه وفتح النافذة قليلاً ليصوب باتجاه المقاومين، وكان زملاؤه قد فعلوا المثل فسمع أحدهم يصرخ به:
- موفاز.. اخرج بنا من هنا..
قال وهو مشغول بالتصويب:
- لا أستطيع.. الطريق مغلق.. نحن في سيارة مصفحة وهذه فرصة لننال من هؤلاء العرب المزعجين..
بدا الغضب في صوت الرجل الأول وهو يجاهد ليحسن التصويب عبر الفتحة الضيقة:
- تباً لك موفاز.. اصعد على الرصيف.. اخرج بنا من هنا قبل أن يأتوا بالإمدادات..
عقد موفاز حاجبيه وترك سلاحه وقال وهو يحاول التحرك بالسيارة:
- حقاً لم أفكر بهذا.. إمدادات!.. الملاعين!
في تلك اللحظات كان الشاب الذي بقي في السيارة يرى أن رصاصات زملائه ترتد عن السيارة، والسائق ترك التصويب، خفق قلبه بشدة، لم يكن يريد لهؤلاء أن يهربوا فهم غنيمة ثمينة لكونهم من رجال الموساد، فترك مكانه وانطلق إلى السيارة المصفحة، وقفز على سقفها، سمع ضحكاتهم وقد أصابوا أحد المقاومين، فأسرع وأدخل سلاحه من فتحة النافذة المجاورة للسائق الذي كان يصعد الرصيف الآن، وأطلق الرصاص، جحظت عين السائق وسقطت رأسه على المقود، فانطلق نفير السيارة.. اتسعت عيون باقي الجنود بدورهم، وصرخ أحدهم:
- اللعنة.. موفاز.. ولكن كيف؟
وقبل أن يعرف الإجابة انطلقت الرصاصات لتحصدهم جميعاً، تاركةً ملامح الرعب مطبوعة على وجوههم شاهدةً على كذب ادعاءاتهم بالبطولة والشجاعة..
وقف الشاب على السيارة وهتف:
- الله أكبر.. الله أكبر..
ردد الأهالي من بعده التكبيرات بفرح، ثم ابتعد هو وأصحابه الثلاثة، دون أن يشعر بهم أحد..
وسط التكبيرات اقتربت مجموعة من الشباب وحاولوا فتح السيارة لكنهم لم يستطيعوا، فأشعلوا النار في السيارة، كانت ألسنة اللهب ترتفع في الهواء فتختلط مع زفرات الأهالي، كأن نيران السيارة هي نيران قلوبهم التي صنعها المحتل بقتله الأهالي وتدميره البيوت في القصف اليومي..
كانت مجزرة السوق ماثلة في أعين أهل الفلوجة لم يمض عليها يوم واحد، وكان هناك شهيد في كل بيت، فبدا أن هذا انتقام لهم جميعاً..
تقدمت مجموعة غاضبة من طلاب مدرسة إعدادية، وكل منهم قد فقد أخاً أو أختاً أو قريباً، أو تهدّم بيته، واقتربوا من السيارة بعد أن هدأت نيرانها قليلاً، فأخرجوا الجثث وعلقوها على جسر الفلوجة، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يشعرون فيها أنهم قد آذوا الأمريكيين، رغم أن تعليق الجثث لا يساوي قتل أطفال الأهالي ونسائهم، ولا يساوي الاعتقالات العشوائية التي تحصد كل من تصل إليه يد المحتل فيُلقى في المعتقلات ولا يدري عنهم أحد، ولا يساوي كذلك تعذيب الأحياء الذي يتم داخل المعتقلات، بعيداً عن أعين الناس فيقومون بما تقشعر له الأبدان وتفزع له القلوب..
************************************************************
في إحدى القواعد الأمريكية، وفي قاعة الاجتماعات، كان الغضب بادياً على الوجوه، وهم يناقشون ما حصل وأحدهم يلقي اللوم على الآخر، ثم صمت الجميع عندما دخل القائد الأعلى للقوات الأمريكية جون، وترأس الاجتماع، حيث طلب من أحد الضباط أن يلقي على مسامعه تقريراً عن الحادث، وبعد أن انتهى التقرير قال:
- جنرال مايكل ألم تعرف أهمية المهمة التي عُهِدت إليك؟
امتقع وجه الجنرال، لكنه حاول التماسك وقال:
- سيدي.. كنت أعرف، وقد كلفت رجالي بتزويدهم بأحدث الأسلحة، وقد استخدموا أفضل سيارة مصفحة لدينا، واستخدموا التمويه حتى يبدو كأنهم من وكالات الإغاثة، فارتدوا الثياب المدنية، ولم تكن السيارة سيارة عسكرية، كما أني لم أرسل معهم سيارات حراسة حتى لا ألفت النظر إليهم، واعتمدت على كونهم جنوداً مدربين بل ومن الموساد، واستغرب كيف استطاعوا التغلب عليهم.
صمت الجنرال مايكل، فساد سكون ثقيل، ثم قال الجنرال جون:
- فسّر إذن ما حدث.
قال الجنرال مايكل وقد أعد عدته لهذا السؤال:
- سيدي.. يبدو أنهم أخطأوا.. فقد علمنا من التقارير التي وصلتنا أنه تم تبادل إطلاق نيران بينهم وبين المقاومين، ويبدو أنهم فتحوا نوافذ السيارة، كان هذا خطأً حتى لو أنهم فتحوها قليلاً فقط للتصويب، وقد كان الأولى بهم أن يتحصنوا في السيارة، وينطلقوا بها على الأرصفة ما داموا قد وقفوا بسبب الزحام، لكنهم لم يفكروا جيداً وسهلوا على الإرهابيين قتلهم، وربما لم يصدقونا عندما أخبرناهم وحذرناهم من الفلوجة وبأنها أرض الموت..
بدا الامتعاض على وجهه الجنرال جون وضرب الطاولة بقبضته في غضب وقال:
- وهل تريدني أن أقول هذا الكلام للسيد وزير الدفاع؟ هل هذا ما تريدنا أن نقوله للإسرائيليين؟ رجالكم أخطأوا، ونعتذر لأننا أخفقنا في حمايتهم! هل تريدني أن أقول هذا؟
ارتبك الجنرال مايكل قليلاً لغضب الجنرال جون، لكن عينيه التمعتا وهو يبتسم بخبث ويكمل إجابته التي خطط لها:
- لا يا سيدي.. لدي اقتراح آخر.. ما رأيك أن تقول لهم أن من قتل الجنود الأربعة هم جماعة أبو مصعب الزرقاوي؟
ساد الصمت في المجلس، وبدا أن اقتراح الجنرال مايكل قد فاجأهم لكنه لاقى قبولاً من الجميع فقال أحد الجنرالات:
- سيدي إذا سمحت لي..
فقال الجنرال جون:
- هات ما عندك جنرال ستانلي.
قال الجنرال ستانلي:
- سيدي.. إلقاء التهمة على الزرقاوي وجماعته لن يبرر فقط موقفنا أمام إسرائيل، بل ونستطيع استخدام فكرة القبض على الزرقاوي للقيام بعملية عسكرية للانتقام لهؤلاء الجنود، وللقبض على أبو مصعب الزرقاوي، وبذلك نلقن أهل الفلوجة درساً لن ينسوه، ونحكم قبضتنا على جزءٍ مهمٍ من العراق..
كان الجنرال جون ينقر الطاولة بإصبعه في رتابة، وفجأة توقف عن ذلك وانبسطت ملامح وجهه وقد بدا عليه الارتياح وقال:
- فكرة لا بأس بها، سنُخضعها للدراسة، أما الآن فأريد أن يتم التحقيق مع كل من كانت له علاقة بهؤلاء الجنود، لمعالجة هذا التسرب الخطير جداً في المعلومات، وأريد نتائج التقرير على مكتبي خلال ثلاثة أيام على الأكثر.
ثم نهض وغادر القاعة، التي انفجرت بالتعليقات بعد مغادرته، والجميع يناقش الفكرة التي طًرحت في الاجتماع، وبعد يومين، جاءت الأوامر بتنفيذ الخطة، وحشد جيش كبير لمقاتلة الفلوجة، التي صمدت في المرة الأولى، وكانت الأوامر تنص على عدم ادخار جهد في الوصول إلى أبو مصعب الزرقاوي، بقتل كل حي يتحرك، واستخدام جميع أنواع الأسلحة إذا ما احتاجت القوات لذلك، وبالنسبة للجنرال مايكل، فقد كانت الحاجة لاستخدام كل أنواع الأسلحة قائمة منذ اللحظة الأولى للحرب..
************************************************************
كانت نجلاء تذهب إلى الحضانة كل يوم قرابة الساعة التاسعة، ويمر أياد عليها عند عودته من عمله ليرجعها معه إلى المنزل، تعلّقت نجلاء بالأطفال هناك، فكانت تحب سماع عائشة وهي تحكي، وتحب رؤية ياسر ومحمد وهما يلعبان وكذلك بقية الأطفال.. كانت أعمارهم مختلفة، ولكل منهم شخصية جميلة جذابة، كانت تحب تحلّقهم حولها وهم يستمعون إليها تحكي لهم القصص بشكل مبسط، وتحاكي أحداث القصة بأصوات وحركات..
وذات يوم وبينما هي تراقب وجههم المتعلّقة بها، حيث عيونهم التي اتسعت من الخوف على العصفور من القط، وضحكاتهم التي انطلقت بسعادة فرحاً لنجاة ليلى من الذئب، دوى صوت انفجار هائل أحال ضحكاتهم البريئة إلى صراخ خائف مرتعب، توترت نجلاء، فليست المشكلة في صوت الانفجار الذي كان الجميع معتاداً عليه، إنما بسبب قرب الصوت وشدته، كان الأطفال يصرخون ويركضون في كل اتجاه، وقد جاءت أم حارث لتساعد نجلاء في تهدئة الأطفال، وإلهائهم ببعض الأناشيد التي بدأ بعض الأطفال ترديدها مع نجلاء وأم حارث، وبدأت البسمات ترتسم على الوجوه، وأيديهم الصغيرة تكفكف دموعهم، وصوتهم يتعالى يحاول أن يطغى على صوت الطائرات والقصف، لكن صوت الطائرة الحربية المنطلقة عاد ليدوي قريباً من الحضانة وليدوي بصوت قوي جداً، جعل الأرض تهتز من تحتهم، وزجاج بعض النوافذ يتطاير متحطماً من مكانه، متناثر على بعض الأطفال، الذي ازدادوا رعباً وصراخاً مطالبين بأمهاتهم، حاولت أم حارث ونجلاء احتضانهم وتهدئتهم، وهما تفكران فيما يجب أن تفعلاه، إذ يبدو أن القصف متركز اليوم على منطقتهم هذه بالذات، إذن ليس من الحكمة الخروج من الحضانة، وانقسم الأطفال إلى مجموعتين إحداهما مع أم حارث والأخرى مع نجلاء، وكلتاهما تحاول جهدها في تهدئة الأطفال وبث الطمأنينة في قلوبهم.
عادت الطائرة من جديد تئز فوق المنزل، وازدادت صرخات الأطفال عندما انفجر حائط المنزل كاملاً فأَخمد بعض الصرخات البريئة، وازدادت الصرخات الأخرى ارتفاعاً، والحجارة المتناثرة من الحائط تضرب الجميع والأطفال الذين تحاول نجلاء أن تغطيهم بجسدها، بينما ارتفعت ألسنة نيرانٍ قوية تلفحهم، رفعت نجلاء رأسها بحذر لترمق الطائرة المعتدية وهي تبتعد، ونجلاء تتابعها بنظرات الغيظ من فتحة السقف الكبيرة التي خلّفها الانفجار، رأت نجلاء النيران وجداراً يكاد ينهر من أثر الضربة، كانت مجموعتها الأبعد عن الانفجار، كانوا بخير تقريباً، كان بعض البكاء والصراخ يخرج من الغرفة الأخرى وربما بعضه من تحت الأنقاض، لكن قبل أن تفعل أي شيء يجب أن تخرج الأطفال الذين معها إلى الخارج قبل أن ينهار الجدار، أخذت تدفعهم أمامها وهي تطبطب على أكتافهم ورؤوسهم، وما إن أصبحت في حديقة منزل أم حارث حتى رأت أمامها بعض الرجال والنساء الذين جاءوا بعد أن هدأ القصف، وسمعوا بل ربما رأوا الضربة التي أصابت منزل أم حارث الذي يعرفون أنه حضانة، تركت الأطفال في حماية بعض السيدات ثم عادت مع الذين دخلوا ليطفئوا النار وليروا إن كان من أحياء بالداخل، لم تتمالك نفسها وهي ترى يداً صغيرة تخرج من تحت أنقاض الحائط، فانهمرت دموعها بحرقة، تابعت بحثها وهي تنادي أم حارث، وبعد أن أزاح الرجال ركاماً كان يغلق فتحة باب الغرفة التي يُسمع منها الأصوات المستنجدة، اندفعت إلى الغرفة لتبحث عن الأطفال كأنهم أولادها، وجدت بعضهم جالساً قرب الركام يبكي، فاحتضنتهم جميعاً وأخرجتهم وهي تحاول أن تبعد نظرهم عن الأشلاء المحترقة التي بدت بعد إطفاء النيران، وعندما سلمتهم للنساء الواقفات بالخارج، عادت لتحاول المساعدة في إخراج طفل يبدو لهم صوته من تحت الأنقاض، تعرفت فيه صوت ياسر فأخذت تحدثه وتصبّره، وحاولت النظر علها تجد أم حارث في مكان ما، لكنها لم تجد لها أثراً، وبعد عدة محاولات استطاعوا إخراج ياسر، الذي احتضنته نجلاء بفرح على نجاته، ودموعها تغرق خديها، ثم لمحت قدم أم حارث، لابد أن تكون قدمها فهي أكبر من أقدام الأطفال، كانت محترقة ممزقة، شهقت نجلاء، وأغمضت عينيها مخفية رأس ياسر في صدرها وهي تُخرجه إلى الحديقة، فجاءتها الطفلة عائشة وقالت لها:
- ست نجلاء.. ست نجلاء.. أين محمد وست وداد؟
انحنت نجلاء لتقابلها وهي تغالب حرقة قلبها ودموعها المنهمرة، لتقول:
- في الجنة.. هم في الجنة.. إن شاء الله..
غصت كلماتها الأخيرة في دموعها واحتضنت عائشة محاولة بث الطمأنينة في القلوب الصغيرة البريئة، ثم عادت إلى الداخل علها تكون مخطئة..
************************************************************
كان أياد جالساً في مكتبه عندما بدأت الغارة، وبدأت الإنفجارات ترتفع، ثم سكنت بعد ربع ساعة من القصف المدمر، عندما سمع أحد زملاءه في العمل يقولون:
- الحضانة قُصفت.. الحضانة.. أولادي هناك..
خفق قلب أياد بشدة وهو يستمع لهذه الكلمات قبل أن يسأله:
- ولكن.. جمال.. من أين عرفت؟
كان جمال يخرج من الغرفة مسرعاً فتوقف للحظة وقال:
- أم هيثم قريبتنا جارة الحضانة اتصلت وأخبرتني ولكنها لم تعرف شيئاً بعد عن أولادي.. يارب سلّم.. يارب سلّم..
وانطلق عبر الممر إلى سيارته..
خفق قلب أياد، فعروسه وشريكة حياته وأم أولاده المستقبليين هناك، انطلق مسرعاً خلف جمال، وركب سيارته متجهاً إلى الحضانة، وقلبه يرتعد خوفاً، لا يريد مجرد التفكير أنه قد حصل لها شيء، تذكر أول مرة رآها فيها، كيف رآها محجبة حجاباً سابغاً، محترمة، تمضي في طريقها، غاضة للبصر، تبعها حتى عرف بيتها، ورجع يخبر أمه أنه يريد أن تخطب له، تذكرها وهي ترفل في فستانها الأبيض وتمشي كالأميرات، تذكر رحلتهما معاً إلى آثار سامراء، جولتهما، كلماتها، نقاشهما حول تاريخ الآثار، تذكرها كل يوم توقظه قبل صلاة الفجر ليصليا قيام الليل، وتراءى له وجهها الملتف بغطاء الصلاة الأبيض كسحابة بيضاء تحوط القمر..
كان يسابق الزمن للوصول إلى الحضانة التي ما أن أصبح قريباً منها نوعاً ما حتى بدا أن الطريق مسدود، ترك سيارته وهو يسمع سرينات سيارة الإسعاف، انطلق يعدو على الرصيف وهو يشاهد الدماء هنا وهناك، وبعض السيارات المحترقة التي يرشها الموجودون بالماء، انقبض قلبه خوفاً، وتزايدت سرعته حتى وصل إلى الحضانة واقتحم بابها الخارجي مندفعاً يبحث عنها بعينيه، سأل بعض الواقفين فلم يعرفوها، أسرع إلى المنزل يحاول دخوله إلا أن بعض الرجال كانوا يعدون خارجين منه ومن خلفهم يدوى صوت هائل، ظنه أياد انفجاراً آخر إلا أنه سمع كلامهم وهم يقولون:
- وقع الجدار عليهم..
- كان سيقع في أي لحظة.. فقد خلخله الانفجار..
- الله يرحمهم.. يجب أن نستعين بالآلات لنخرجهم..
سقط قلب أياد بين قدميه، وهو يصرخ:
- أرأيتم امرأة؟ امرأة متوسطة الطول، بيضاء، عيناها عسليتان.. أما رأيتموها؟
رد عليه أحدهم:
- أنا رأيت امرأة لكني لم أميز شكلها تماماً، فقد سقط الجدار مباشرة عندما لمحتها.. الله يرحمها ويرحم الجميع.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. الله يصبّرك..
انهار أياد.. سقط على ركبتيه.. لم يعد قادراً على الوقوف.. لقد تحقق أسوأ مخاوفه.. شعر بأن الدنيا تظلم في وجهه.. غطى وجهه بكفيه.. ولم يقدر على منع تلك العَبَرات التي تسللت من عينيه.. لقد فقد فجأة كل ما بناه وسعى من أجله.. كل عمله الإضافي واجتهاده.. كل أحلامه وأمنياته.. أولاده.. الطبيب والمهندس والمعلمة.. وزوجته التي ترعى كل ذلك وتكلله كملكة..
انتهى كل شيء بسبب هؤلاء الأوغاد..
أمريكا التي لا عمل لها سوى نشر الإرهاب في العالم.. أليس الإرهاب قتل الأبرياء؟؟ أليس قصف الحضانة وقتل الأطفال الأبرياء إرهاباً؟ أليس ترويع الآمنين وتدمير البيوت إرهاباً؟؟ أليس الاحتلال بكل أشكاله إرهاباً؟!!!
اضطرمت النار في قلبه.. فهاهي أمريكا تنتزع منه زوجته الغالية.. بعد أن انتزعت الأمن والسلام.. وبعد أن انتزعت وطنه الحبيب..
شعر أنه لا بد أن يفعل شيئاً.. لابد أن ينضم لعبد الستار ولطفي وإبراهيم.. كلهم يحملون السلاح ليدافعوا عن أرضهم وشرفهم.. لا يقتلون سوى الأمريكيين.. ويحافظون على الأمن والاستقرار بعد سقوط الدولة..
لابد أن ينضم إليهم.. ويتعلم القتال.. ويقاتل.. يقاتل لينتقم لنجلاء الحبيبية..
صرخ وهو يثب من سقطته:
- نعم.. لابد..
لكن من اصطدمت به عيناه كان آخر شخص يتوقعه.. كان نجلاء.. نعم لابد أنها هي.. كانت تحمل طفلاً مصاباً في قدمه إلى المسعفين..
تقدم منها فتراءت له.. نجلاء الجميلة.. الزوجة الحبيبة.. على قيد الحياة.. انطلق إليها وهو ينادي:
- نجلاء.. نجلاااااااااء..
التفتت إليه والسعادة تتلألأ في وجهها، وناولت الطفل للمُسعف وابتسمت لأياد وقالت:
- هل أتيت لتطمأن عليّ؟
كانت السعادة قد ألجمته.. فتردد لحظة ثم سألها:
- تلك المرأة في الداخل.. من هي إذن؟
أطرقت نجلاء برأسها أسىً وقالت:
- أم حارث.. رحمها الله..
ثم استدركت وهي تنظر في عينيه:
- هل ظننتني أنا هي؟
نظر إليها ليتأكد من أنها أمامه وقال:
- نعم.. ظننتك..... ولكن لا.. الحمد لله أنك بخير.. ولا داعي لأن أعود لظني السابق.. هل أنت بخير؟
ثم نظر بجزع إلى دماء تلوث ثيابها وقال:
- ما هذه الدماء؟ أنت مصابة؟
قالت بحزن:
- إصابات خفيفة.. لكن الدماء هي دماء بعض الأطفال.. الأطفال الذين أحبهم.. فقد أصيبت زهراء وشمس لكنهما بخير والحمد لله.. أما محمد.. محمد ذو السنوات الخمس، الذي كنت أخبرك أنه كان يجمع مصروفه على أمل أن يستطيع أن يشتري نعالاً لأمه التي تعمل طوال اليوم، محمد وزينب استشهدا تحت الحطام مع أم حارث، كان المنظر رهيباً، يا إلهي.. أياد أنت لم ترَ أشلاءهم.. لم تر الدماء..
أمسكها أياد من كتفها، وقال وهو ينظر إلى وجهها محاولاً التخفيف عنها:
- طيور في الجنة.. لا تنسي أنهم طيور في الجنة..
أومأت برأسها وقالت:
- نعم إن شاء الله.. الله يعين أهلهم.. أريد أن أتأكد من وصول الأطفال إلى أهاليهم، معظم الأهالي قد أخذوا أطفالهم.. لكن يجب أن أبقى مع الباقين..
ربت أياد على كتفها وقال:
- وأنا معك.. هيا.. من بقي؟
تأكدت نجلاء من وصول الأطفال إلى أهلهم، وحاولت التخفيف من آلام أهالي الشهداء.. عادت إلى المنزل مع أياد.. وفي قلب كل منهما أمل كبير..
أمل بأن هذا الاحتلال مجرد كابوس..
كابوس سينجلي مع استمرار المقاومة..
يتبــــــــــــــــــــــع .............
منفـــــى في الفلوجـــــة (1)
أنا اسم بلا لقب
صبور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
سجل!
محمود درويش
داعبت أصوات الأذان مسامع نجلاء فاستيقظت وأيقظت زوجها أياد ليصليا الفجر.. وبدأت أصوات الحركة تدب في المنزل حيث تسكن نجلاء مع أهل زوجها، فها هي أصوات أولاد عماد أخو أياد وهم يختلفون على الحمام، وهاهو صوت الحاجة أم أياد توقظ ابنتها نهلة وصوت أياد الذي ذهب ليوقظ أخاه حازم، خرج الشباب إلى المسجد، وصلت النساء جماعة، ثم صعدت نجلاء لغرفتها لترتبها..
كانت النافذة مفتوحة فهبت نسمة باردة جعلت نجلاء ترتعد وهي تتجه إلى النافذة لتقلل من فتحتها، لكن المنظر من النافذة شدها فوقفت تتأمل الشمس التي بدأت تنشر ضياءها على الكون، وسعف النخيل الذي أخذ يتمايل مع النسائم الرقيقة حتى بدت أشجار النخيل كأنها تلوّح من بعيد، ومن خلفها بدا النهر كأنه نهر من الفضة يتلألأ وبريقه ينشر أضواء لامعةً على الأشجار والمزروعات..
أغمضت نجلاء عينيها، وهي تحفر ذاك المنظر في ذهنها، وتمزجه بأصوات الصلاة التي لا زالت قائمة في بعض المساجد، لتستشعر عظمة الخالق وإبداع صنعه، هبت نسمة داعبت وجهها وشعرها الذي يتطاير مع الهواء، فابتسمت لمّا تناهى إلى سمعها حديث بعض الصبية المتجهين إلى المدرسة القريبة، الذي كان عن مباريات كأس العالم لكرة القدم، وكيف يصف أحدهم رمية بطله، والآخر يؤكد أن الفريق الذي يشجعه هو الأفضل..
نبهها خروج الأولاد إلى مرور الوقت وهي في وقفتها تلك، دون أن تنزل لمساعدة الحاجة أم أياد وسندس زوجة عماد في تحضير الإفطار للجميع، ولكن ما أن ابتعدت عن النافذة حتى وجدت أياد يتقدم إليها، ويطل من النافذة وهو يقول:
- فيمَ تفكر الحلوة؟
ابتسمت في دلال وهي تنظر إليه وتقول:
- كنت أنظر إلى هؤلاء الأولاد الصغار، وأتخيل ابننا بعمرهم، ويذهب معهم إلى المدرسة، ويناقش معهم كرة القدم، والواجبات، أتخيله يأتي إلي راكضاً فرحاً بنتيجته.. أتخيله مهندساً ماهراً كأبيه..
ضحك أياد مقهقهاً وقال:
- فليأت أولاً ثم خططي مستقبله، نحن لم نتزوج إلا منذ أربعة أشهر، وأنت تستعجلين التعب؟
ضحكت بدورها وقالت:
- تعبهم راحة، أنت لا تعرف كم سأكون سعيدة بانشغالي معهم..
لوى فمه عابساً بشكل مازح وقال:
- وتتركيني؟ من سيعتني بي إذن؟
ضحكت وهي تلبس حجابها وقالت:
- ومن قال أني سأهملك.. أنت في عيني..
وضع يده على كتفها وهو يقول:
- يحفظك ربي لي، وحفظ أجمل عينين رأيتهما في حياتي.
ضحكا في مرح وهما يتجهان إلى الطابق السفلي..
أخذت نجلاء تساعد سندس في تحضير الإفطار، وتجمع الجميع يأكلون بسرعة ليلحقوا أعمالهم، وكالعادة، بدأ أولاد سندس في العراك، فأنهى عراكهم والدهم عماد الذي قال:
- من لا يركب السيارة الآن، فسيضطر للذهاب مشياً، لا أريد أن أتأخر عن العمل.
فانطلقوا يتراكضون إلى السيارة، ونجلاء وسندس يضحكون من منظرهم، وقالت نجلاء لأخت زوجها نهلة:
- وأنت ألن تلحقي بهم؟ ألا تريدين أن يوصلك عماد للمدرسة؟
قالت نهلة بتذمر:
- بلى، لكن أنت تعرفينهم، سيتعاركون أولاً على أماكنهم في السيارة، لذلك سأنتظرهم حتى يستقروا في جلستهم ثم أركب.
ضحكت نجلاء وسندس من جديد، ثم جاء حازم الذي قبّل رأس والده العجوز الضرير، وقبّل رأس والدته وهو يتناول منها رغيفاً من الخبز الحار الذي أتمت خَبزه قبل دقائق فقالت له:
- ألا أضع لك شيئاً في الخبز؟
فقال:
- لا شكراً يا أمي.. يجب أن أذهب الآن.
فقالت وهو تودعه بنظراتها:
- الله يحفظك ويحميك، وتنجح وتتخرج وتصبح طبيباً كبيراً.
أتم أياد إفطاره، فخرج بعد أن ودع نجلاء وقبّل والديه.. وبدأت سندس تجمع الصحون، أما نجلاء فقد أتمت تحضير إفطار خاص لعمها العجوز بسبب مرضه، ثم ذهبت إليه وبدأت تساعده في تناول طعامه بكل الحب والحنان كأنه والدها، ثم أسندته، وأخذته إلى غرفته ليرتاح على سريره، وقبلته على رأسه، فطلب منها أن تفتح المذياع على إذاعة القرآن الكريم، ففعلت ثم أغلقت الباب بهدوء.
واتجهت لتبدأ أعمالها في التنظيف، وفي طريقها قالت لسندس:
- أنا سأتولى اليوم تنظيف البيت، وأنت عليك غسل الملابس، فأنا سأذهب عند أم حارث لأساعدها في الحضانة..
ثم تابعت وهي ترتب بعض الوسائد وتجمع الألعاب لتعيدها لمكانها:
- عندما ذهبت أنا والحاجّة لزيارتها البارحة كانت متعبة جداً من عملها في الحضانة، فعرضتُ عليها أن أساعدها، وقد سمح لي أياد بذلك فهو يعرف حبي للأطفال، وعندما اتصلت بها مساءَ لأخبرها بمجيئي أبت إلا أن نتفق على أجر لي لقاء عملي، رفضت لكنها ألحت كثيراً، ولم أجد بُداً من أن أقبل، لكني لن آخذ أكثر من مبلغ بسيط..
قالت سندس وهي تجمع بعض الملابس لتغسلها:
- وكيف ستصرفين المبلغ؟
ضحكت نجلاء وقالت:
- لم أعمل بعد ! لكني سأجمعها وسأستغلها أفضل استغلال إن شاء الله.. لم أفكر بعد كيف، لكني سأعرف ماذا أفعل..
اتجهت نجلاء إلى الدلو لتملأه بالماء، وأمسكت الخرقة التي تُستخدم في مسح الأرضيات واتجهت لأول غرفة..
كانت نجلاء تنشد بصوتها الجميل وهي منهمكة في التنظيف عندما قطعها صوت انفجار شديد، وارتج البيت بشدة، فصرخت نجلاء وهي تجلس على الأرض وتحمي رأسها بيديها، كان شيئاً معتاداً أن تسمع أصوات الإنفجارات في الفلوجة، فلا يمر اليوم بدون قصف، غير أن الانفجار كان قريباً هذه المرة، استمرت الإنفجارات مدة عشر دقائق، أحست خلالها نجلاء أن مخازن الصواريخ الأمريكية قد نفدت، انتهت الإنفجارات بإنفجارين أخيرين امتزجا بأصوات الطائرات المبتعدة، وبقيت نجلاء على حالها حتى تتأكد أن الطائرات لن تعاود الهجوم، ثم قامت على حذر تجول في البيت ووجدت سندس تجلس بجانب الحاجة ساهرة والدة زوجيهما، وذهبت مسرعة لتطمئن على الحاج، فوجدته قد جلس من رقدته، وهو يسبح ويستغفر، فسألته:
- هل أنت بخير يا عمي؟
أومأ برأسه وقال بقلق:
- الكل بخير؟
قالت له وهي تربت على كتفه:
- نعم يا عمي الكل بخير، اسمح لي أساعدك.
أعانته على العودة لفراشه، ثم عادت إلى سندس والحاجة، فوجدتهما، تطمئنان على المنزل، لكن نجلاء رأت قلقاً في عين سندس فقالت لها:
- إن شاء الله يعود الجميع بخير.
شردت سندس بعينها، وقالت وهي تفرك يديها بقلق:
- ترى أين سقطت القنابل هذه المرة؟ كان القصف شديداً جداً.. يا ربي، أنا خائفة على الأولاد.
قالت لها نجلاء في محاولة لإزالة قلقها:
- أنا لا أعتقد أنها قريبة من مدرستهم.
أومأت سندس برأسها تريد الاقتناع بكلام نجلاء لكن الألم بدا على وجه سندس وهي تقول:
- لكن القصف استمر فترةً طويلةً، لا أعتقد أن هناك بقعة في الفلوجة لم يتم قصفها !
ربتت نجلاء على كتفها وقالت:
- أنت تتخيلين فقط !
ثم اتجهت إلى الحاجة ساهرة التي جلست في طرف الغرفة صامتة كأنها تنتظر نعي أحد أولادها أو أحفادها، جلست بجانبها تحاول تهدأتها وترمق سندس التي كانت تجول في الغرفة بقلق فتلتفي عيناهما لتتباعدا من جديد مداريتين القلق الذي كان يعصف بقلبيهما، قالت نجلاء محاولة تبديد مشاعر القلق:
- يبدو أني لن أذهب إلى أم حارث اليوم.. المسكينة.. أكيد أنها تنظر وصولي لأساعدها، كنت سأنهي الآن تنظيف البيت وأذهب إليها.
ربتت الحاجّة على كتف نجلاء وهي تقول:
- بارك الله فيك يا بنتي.. تستطيعين الذهاب إليها، سنكون بخير إن شاء الله..
رددت نجلاء بصوت خافت:
- إن شاء الله، لكني أفضّل البقاء، أريد أن أطمئن على أياد أولاً.
بعد ساعة من الانفجار قالت سندس وهي تكاد تبكي:
- لقد تأخروا لابد أن مكروهاً حدث لهم، أنا أريد أن أذهب لأطمئن عليهم.
ذهبت إليها نجلاء، ووضعت يدها على كتفها متظاهرة بالشجاعة رغم قلقها وقالت لها:
- لا يا سندس، ربما كان الطريق مسدوداً اصبري قليلاً، وستجدينهم إن شاء الله يدخلون الآن من الباب.
وكأنما استجابة لكلامها، فُتح الباب، واندفع منه الأولاد ويتبعهم والدهم، وأياد وحازم، فشعرت كل من الحاجة وسندس ونجلاء أن ماءً بارداً أطفأ نيران القلق التي كانت تستعر في قلوبهن، وقال عماد:
- تأخرنا لأن الطريق كان مزدحماً، فالسيارات في كل مكان تنقل الجرحى والمصابين إلى المستشفى، وليست فقط سيارات الإسعاف التي لم تعد تكفي، فالقصف هذه المرة كان على منطقة السوق، وتعرفون كم يكون مزدحماً في هذا الوقت، لم نستطع سوى رؤية السيارات التي تخرج من المنطقة حاملة المصابين في طريقها إلى المستشفى، كان من بين المصابين أطفال صغار، كان المنظر حزيناً جداً، وكنت أود المساعدة لكني كنت متلهفاً لأطمئن على الأولاد فذهبت إليهم، ومررنا على حازم في الطريق.. وما أن وصلنا حتى وجدنا أياد يريد الدخول.. الحمد لله أنه لم يتأذى أحد وأن الجميع بخير..
بعد الغداء الذي بقي أغلبه، فلم يستطع أحد تناول شيء بسبب الحزن والغضب الذي ملأ النفوس، كانت نجلاء جالسة في غرفتها، ساهمةً تفكر، فاقترب أياد منها وهو يمازحها ليُذهب حزنها فقال:
- لمَ هذا الحزن كله، الحمد لله الجميع بخير، أم كنتِ تريديني أن أموت؟
التفتت نجلاء إليه بحنق وقالت:
- لا سمح الله، رجاء لا تكررها، لا أريد حتى أن أفكر في هذا، الله أعلم ماذا كنت لأفعل بدونك.
ضحك وقال:
- الحمد لله على القصف حتى أعرف مقدار حبك لي، لكن لم هذا الحزن كله؟
أطرقت نجلاء رأسها وقالت:
- هل تذكر حديثنا صباح اليوم؟ اليوم كنت أفكر بأولادنا، وكيف سيكونون، وماذا سنسميهم، وكنت أخطط لمستقبلهم، ونسيت الخطر الداهم الذي سيكونون فيه إن حضروا إلى الحياة، من الممكن أن يكونوا مع الأطفال الذين رآهم عماد في السوق.
رفعت عينيها وقد امتلأتا بالدموع فقال أياد:
- نجلاء.. حبيبتي.. أولاً الأطفال في كل مكان معرضون للخطر، في أي مكان، الفرق أن الخطر هنا واضح ونعرفه،أعرف أن أوضاع العراق كلها لا تسر، لكنه ابتلاءٌ وعلينا أن نصبر، وأن ننجب من يقف في وجه المحتل، لا أن نتوقف عن الإنجاب خوفاً، هذا ما تريده أمريكا، يتوقف الجميع عن الإنجاب، ويموت الأحياء، عندها تخلو لهم العراق.. أولادنا يجب أن يقاوموا المحتل ليحافظوا على كرامتهم..
كما أنك يجب أن تكوني أقوى إيماناً بالله، يجب أن تثقي أن من يموت فهذا أجله، ولن يغير عليه المكان أو الزمان أي شيء، فهو أجله المكتوب منذ ولادته، والذي سيموت فيه، في قصف أو غيره.
مسح دموعها بيديه، وقال لها:
- يجب أن تُبعدي هذه الأفكار عن رأسك، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وقومي لنصلي العصر وندعوه الله أن يخلصنا ويخلص العراق من الاحتلال.
نظرت نجلاء إلى عينيه اللتان تنبضان بالعزم والإرادة، فقالت بامتنان وقد أثر فيها كلامه:
- نعم وسأدعو الله أن يعيشوا في كرامة وبدون أمريكان، حتى لو اضطروا للموت من أجل الكرامة.
ربّت على خدها بحنان وقال:
- نعم هذه هي الأفكار التي أريد أن تعلميها لأولادنا، هذه هي نجلاء التي أحبها، والتي أحب أن يكون أولادي مثلها..ابتسمت في سعادة أطلت من عينيها، واتجها ليصليا العصر..
ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا
ربما أكون فضولية لكني لا أزعج أحداً، وفي النهاية أنا أنمي مهاراتي وأنشط عقلي، وهو أمر مفيد فعلاً.. عموماَ.. كنت منغمسة في القراءة وسمعت صوت الأزيز، مطاط يحتك بسطح ناعم، مع بعض الصرير، إنه كرسي متحرك، صوت امرأة هندية أو باكستانية لا أعرف، صوت كعب إذن هي تدفع الكرسي، الجسم الجالس على الكرسي ليس ضخماً، فهي تدفع الكرسي بسهولة، تتوقف أمام الاستقبال، ثم فجأة يندفع الكرسي لكنه اندفاع سريع لا يدل أن المرأة تمشي وراءه إلا إذا كانت تركض!
رفعت عيني في اللحظة التي ارتطم فيها الكرسي المتحرك بالكراسي البلاستيكية المصطفة في الانتظار!
وبحنق اتجهت بعيني إلى المرأة التي دفعت الكرسي!
نعم دفعته لأن الأرض منبسطة وليست مائلة حتى يندفع الكرسي بهذه القوة وبهذا الاتجاه!
نظرت في عينيها، فردت بنظرة منزعجة باعتبار أن الأمر ليس من شأني..
التفت إلى الكرسي، وانقبض قلبي..
وجدت الرجل العجوز منحني الظهر العاجز عن تحريك يده لنش الذباب عنها، ملامحه متغضنة، عجزت عن تبين مشاعره عبرها، هل هو شلل ما؟ أم أنه تعود على ما فعلته المرأة (والواضح أنها ابنته)؟ أم أن عقله غائب عن العالم لسبب ما؟
واضح أن المراجعة تخصه، وأقدر للمرأة المجيء به إلى المستشفى، لكن القليل من المعاملة الإنسانية لا تضر!
شعرت بالألم.. فهي تظن أنها تقوم بواجبها نحوه، وتحضره إلى المستشفى، وتضعه في الكرسي، تتنقل به من مكان إلى آخر.. دفع تكاليف المعاملات حيث يجب الدفع لكل شيء.. كل هذا جميل.. لكن.. ربما لو تركته يموت في البيت مع بعض المعاملة الإنسانية، اللطيفة، ابتسامة، كلمة جميلة بارّة، عناية، محبة، عطف، حنان.. ربما كان ليفضل ذلك..
غداً أكون أنا محله.. وأنا الآن مكان المرأة..
يجب أن استغل كل لحظة في بر والدي.. لا يعرف الإنسان متى يموت؟ ولا هل سيمكنه أن يرد ولو جزءاً مما قاموا به من أجلنا؟
هل من الممكن أن أسأم من والديّ إذا كبرا وعجزا؟
هل سأشعر بأن العناية بهما واجب لا أريد القيام به؟
هل من الممكن أن أتعاجز أو أتكاسل عن غمرهما بالعطف والحب كما يفعلان معي؟؟
بدأت أخاف من نفسي.. سبحان الله كل شيء جائز!
وغداً هل سيقف أولادي معي؟
هل سيحموني؟ يعتنون بي؟ يحبونني؟
هل سأحتاج لتحمل الجفاء والإهانات في سبيل أن أجد من يعتني بي؟
أم أني أفضل الموت بكرامة بين وجوه محبة؟
بروا آباءكم تبركم أبناءكم! سبحان الله..
اللهم أعنا على بر والدينا.. وارحمهما واغفر لهما وارض عنهما رضاً تحل به عليهم جوامع رضوانك، وتحلهم به دار كرامتك وأمانتك، ومواطن عفوك وغفرانك، وأدر به عليهم لطفك وإحسانك، اللهم يا بر يا رحيم بِرَّهم أضعاف ما كانوا يبروننا، وانظر اليهم بعين الرحمة كما كانوا ينظرون إلينا.
آميييييييييييين
دولمــــــــــة ! Dolma
إليكم البوست من جديد :)
الدولمة هي أكلة عراقية شهيرة، يقول البعض أن أصلها تركي، لكن حتى لو كانوا يطبخوها في تركيا فأكيد طريقتهم تختلف، لأن دولمتنا أطيب بكثيييييييييير واسألوا مجرب *_^
طبعاً الدولمة طبخة الكل يعرفها، ليش دا أكتب عنها بالتفصيل؟
لأن كلما كعدنا في جلسة "نسائية" وبعد معرفة أني عراقية أول ما يبدأ السؤال عن:
سمعنا إنه عدكم أكله تحشون بيها البصل !!!
والجزر!!
والطماطم!!
والخياااااااااااااااااار!!!
نعم نعم .. وتبدأ عملية الشرح..
لذلك فكرت أنه من الأسهل إني أكوللهم "بلية وجع راس فوتوا وشوفوا مدونتي" *_^
الحقيقة أنه الصور تحكي أكثر من الكلمات...
أوكي ..
نبدأ باسم الله..
المقادير:
ما سيتم حشوه:
- شجر "كوسا"
- ورق عنب "جميل لو كان طازج من الشجرة مباشرة مثل ما كنا نسوي بالعراق"، وممكن الاستعاضة عنه بالـ "سلق" وهو الفدشي اللي يشبه السبانخ وما أعرف اسمه باللهجات الأخرى.
- طماطم.
- خيار.
- بصل.
- جزر.
- بتيتة "بطاطا"
- باذنجان.
- فلفل.
مقادير الحشو:
- 3 كلاصات لحم أو ما يساوي نصف كيلو لحم مثروم (دسم).
-3 كلاصات رز، الأفضل رز مصري حتة ينفش.
- 2 بصل كبيرة.
- شدة "ربطة" معدنوس "بقدونس".
- شدة "ربطة" نعناع.
- بطن الطماطة المحفورة + 2 طماطم كبيرة.
- بطن الكوسا المحفورة.
- بهارات دولمة + كبابة (المجموع ملعقة أكل كبيرة)
- 2 أو 3 حسب الرغبة معجون طماطم.
- ملح حسب الرغبة.
- نصف كلاص زيت خصوصاً إذا اللحم مو دهين.
طريقة العمل:
1- تجهيز ما سيتم حشوه:
- بصل.(بالنسبة للبصل يتم إزالة القاعدة على شكل مخروط، وقطع البصلة حتى الوصول إلى منتصفها، وإما تسلق أو تقلى والقلي أطيب، كيفية القلي: يوضع القليل من الزيت في الجدر التي سيتم عمل الدولمة فيها، ويوضع البصل ويغطى، يترك على نار هادئة ويقلب بعد فترة، حتى تتفكك حلقات البصل وترتخي)
- شجر "كوسا" (تقشيره على الخفيف جداً، وبالنسبة لي أفضل تخديشه على شكل كاروهات "فيكة يعني" لأن يطلع شكلها جميل ومميز)
خلط مكونات الحشوة جميعها مع معجون الطماطم والبهارات والملح.
في حالة وجود أضلاع لحم أو أعواد السلق، توضع بالأسفل، بالنسبة للخضار يتم وضع البصل أولاً حيث يتم لف كل حلقة حول نفسها بعد وضع الحشوة فيها، وصفها كما في الصورة.
طبعاً زيت في أسفل الجدر.
يتم حشو الخضار.
يتم إضافة ماي لحم أو ماي دجاج أو ماء مع مكعبين ماجي (الجكليتة أم الديج ^_^)، توضع إلى ما فوق الصحن اللي فوك الدولمة باصبعين.
تطبخ على نار عالية لمدة 25 دقيقة، ثم نشيل الصحن الزجاج اللي على الدولمة، ونضيف تمر هندي أو تمر الهند مذاباً في القليل من الماء الحار لإضافة النكهة الحامضة اللاذعة.
وتترك على النار الهادئة لمدة 25 دقيقة.
ملاحظة: لا يوضع تمر الهند من البداية وإلا تجزر الخضار بمعنى تبقة تكرط وما تستوي.
كلمات دعتني للتفكيـــر,,, وأعجبتني
الخيميائي – باولو كويلو
********
إذا كان باستطاعتك البقاء، دائماً، في الحاضر، تكون، عندئذ، إنساناً سعيداً. وسوف تدرك أن في الصحراء حياة، وأن في السماء نجوماً، وأن المحاربين يقاتلون، لأن في ذلك شيئاً ما ملازماً لحياة البشر. وهكذا تغدو الحياة، في تلك الحال، عيداً، ومهرجاناً كبيراً، لأنها ليست سوى اللحظة التي نعيشها، ليس إلا.
الخيميائي – باولو كويلو
********
سأله أحد العرافين لماذا يهتم كثيراً بمعرفة المستقبل.
أجابه الحمال:
- لكي أفعل بعض الأشياء، وأحول دون حدوث ما لا أريده أن يحدث.
- عندئذ لن يكون هذا المستقبل مستقبلك.
- سيكون للأشياء الحسنة وقع جميل، لكن الأمور السيئة سوف تسبب لك الألم قبل حدوثها.
- أريد أن أعرف المستقبل لأنني إنسان، والناس تحكم معيشتهم العلاقة بمستقبلهم.
الخيميائي – باولو كويلو
********
المستقبل لا يعلمه إلا الله، وهو وحده يكشفه، في ظروف غير عادية. ولكن كيف يمكنني التنبؤ بالمستقبل؟ بفضل إشارات الحاضر. ففي الحاضر يكمن السر، وإذا تنبهت إلى حاضرك، أمكنك جعله أفضل مما هو عليه. ومتى حسَّنت الحاضر، فإن ما يأتي، بعد ذلك، يكون أفضل أيضاً. إنس المستقبل، وعش كل يوم من حياتك وفق أحكام الشريعة، متكلاً على رحمة الله بعباده، فكل يوم يحمل الأبدية في صميمه".
قال الفتى للخيميائي، عندما توقفا ليريحا حصانيهما قليلاً:
- قلبي خائن، فهو لا يريدني أن أستمر.
- حسناً، هذا دليل على أن قلبك حي. من الطبيعي أن نخاف من أن نستبدل بكل نجاحاتنا السابقة حلماً.
- لم يتوجب عليّ، إذن، الإصغاء إلى قلبي؟
- لأنك لن تتمكن، إطلاقاً، من إسكاته. حتى وإن تظاهرت بعدم الإصغاء إلى ما يقوله لك، فإنه ماثل هنا، في صدرك. ولن يكفّ عن تكرار أفكاره عن الحياة والعالم.
- حتى وإن كان خائناً؟
- إن الخيانة هي الضربة التي لم تتكن تتوقعها. إذا كنت تعرف قلبك جيداً، فلن يقدم إطلاقاً، على مفاجأتك على هذا النحو، لأنك تدرك أحلامه ورغباته، وتعرف كيف تهتم بها. لا أحد يستطيع الهروب من قلبه. لذلك ينبغي الإصغاء إلى ما يقوله، لئلا يتمكن من توجيه ضربته إليك من حيث لا تدري.
من وقتها وأنا في ترحال للتعرف على العالم، وأتعلم أن هذه المساواة مفقودة إلا في القليل من بقاعه، وإنني مازلت على إيماني بالديمقراطية، ولكن عليك أن تفرضها على الشعب بقبضة حديدية، وأن تطعمها لهم إطعاماً. فالناس لا يريدون أن يصبحوا إخوة، قد يحدث هذا يوماً ما، إلا أنهم لا يريدون هذا الآن. لقد ماتت قناعتي بهذه الأخوة في ذلك اليوم الذي وصلت فيه إلى لندن منذ أسبوع، حينما رأيت أناساً يقفون داخل قطار المترو يرفضون أن يتنحوا قليلاً ليفسحوا مكاناً لمن يدلف إلى القطار عند المحطات. فليس بوسعك أن تحول الناس إلى ملائكة عن طريق التركيز على أفضل ما في طبائعهم، إلا أنك ومن خلال القوة المتعقلة تستطيع ان تجبرهم على اتباع السلوك الحسن، والتعامل اللائق مع بعضهم البعض.
أنا مازلت مؤمناً بالأخوة بين البشر، إلا أن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها. ربما تطلب الأمر عشرة آلاف عام أو يزيد. وعليك أن تتحلى بالصبر والجلد، فالتطور عملية تستغرق وقتاً.
سر جريمة تشمنيز - أجاثا كريستي
لا يعني اختياري لهذه المقاطع عدم وجود غيرها أو أنها أفضل ما يمكن قراءته في الكتب... فقط حدث أني قرأت الروايتين السابقتين وجذبتني تلك المقاطع، وخصوصاً رواية "الخيميائي" التي هي مناقشة فلسفية للحياة أكثر من كونها رواية.
لا أريد أن أكون ضحية للديمقراطية!
لكني أعرف ما يدور حولي وواعية بكل المؤامرات والخرابيط التي تدور على المسرح ووراء الكواليس.. الحمد لله ..
المهم أن حادثة الاعتداء على الصحفية زهراء الموسوي أوقفتني كثيراً.. وبقيت تدق في رأسي نواقيس صاخبة، أتمنى أن أستطيع أن أسكتها عند إنتهائي من كتابة هذه التدوينة..
لن أقول أن ما حصل هو شيء طبيعي جداً نتيجة للحرية والديموقراطية الأمريكية، وأنتم العالمين ببقية الكلام، لكني أفكر بها كفتاة وأنا أيضاً فتاة، بالضبط ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانها؟
كنا دائماً نعلق على أنه في أمريكا يسقط الرجل في الشارع، فلا يجد من يرفعه، ولا كأنه أحد شافه!
كنا نعلق على أنه الأخلاق العربية التي توارثناها من أجدادنا، الشهامة.. المروءة.. مساعدة المحتاج بكل الطرق..
أخلاقيات عربية، جاء الإسلام وأكد عليها..
أخلاقيات موجود فينا رغم انتشار كل أشكال الفساد والأخلاقيات الفاسدة.. الحمد لله أنها موجودة.. والحمد لله أننا عرب مسلمون..
ففي أمريكا تحدث السرقة، تجد اللص يمشي بين الناس دون أن يزعج أحد نفسه بمحاولة إيقافه..
تجد القتال يحدث في الشارع ولا أحد يبالي..
شخص يستنجد ولا أحد يلتفت إلا من باب الفضول..
في أمريكا فقط.. تستطيع أن ترى رجل العصابة يقف في وسط الشارع.. مصوباً مسدسه إلى رأس رجل.. يضربه.. يقتله.. ثم يمضي..
لكن.. بفضل التطور والحرية.. أصبح هذا الآن يحدث في العراق..
لا يحدث فقط لرجل.. بل لامرأة.. المرأة التي كانت إن مد أحد يده (للتحرش لا للاعتداء) قامت الأرض ولم تقعد..
المرأة الآن يعترض طريقها.. تضرب.. تجرد من ثيابها.. تستنجد.. تصرخ.. ولا أحد.. لا أحد يُجير!!!
لا أعرف هل أبكي على المرأة أم على الأخلاق والمروءة والشهامة والإنسانية الميتة؟؟
لكني أفكر من جديد.. لا أستطيع أن ألومهم.. لأن من كان ليفعل شيئاً كان سيُأخذ ويُغيّب في مجاهل مكان غير معروف وبلا رجعة..
حقاً لا أعرف من وماذا ألوم.. سوى أمريكا طبعاً والاحتلال وكل من وقف مع الاحتلال و"الحكومة" الحالية والأمن القومي والوطني وووووو عفواً القائمة تطول والمدونة لا تتسع!
يا الله.. ليس لنا سواك.. يا رب..
نعرف عن الأجانب (ليس الجميع لكن نسبة جيدة منهم) يحرصون على نمط الحياة الصحي: أكل خضار، لعب رياضة، حتى المتناسقين جسدياً يحافظون على رياضية يومية، طبعاً ماكو داعي أكرع راسكم بالحجي عن أهمية الأكل الصحي أو الرياضة أو المحافظة على اللياقة، لكن تخيلوا إنكم (ذكوراً وإناثاً) تعرضتوا لهجوم كزهراء، شنو راح تسوون؟ حتى الرجال الأقوياء تغلبهم الكثرة فكما يقولون "الكثرة تغلب الشجاعة".. ماذا كنا سنفعل؟؟
الحل أن نكون عالمين بشيء ولو بسيط من فنون الدفاع عن النفس، ونكون على دراية بنقاط الضعف التي من الممكن أن نستخدمها ضد الخصم، كما أن نكون على لياقة تؤهلنا على الأقل على الهرب إن لم نتمكن من المواجهة.