كل عام وإنتم بخير


كـــــــــــــــــــــــــل عــــــــــــــــــــــــــام وإنتـــــــــــو بخيييييييييييييير
أدري كلش تأخرت بالمعايدة، بس والله مخبوصين، إن شاء الله خبصة خير.. جنت ناوية أخلي بوست عن عشر ذي الحجة، عن يوم عرفة، بس ما لحكت.. حتة ما عيدت على أحد أول يوم العيد لأن نسيت موبايلي، وكل السكجول مالتي تخربط!
على العموم هذه صورة حية من شوارع الإمارات في يوم وقفة عرفة، حيث كلما نوكف على ترفكلايت نشوف بيك اب شايل أشكال أرناك من ذولة المكاريد, فقررت أنه ألتقط لهم صورة أحطها على البلوك بمناسبة العيد، وتلاحظون أخونة في الله ديباوع علينة وبقة ثابت إلى أن طكيت الصورة وابتسم عبالة دنسوي دعاية سجنال تو! خطية!
صحيح أنه ما ذبحنا هالعيد هنانة لكني تخيلت خروفنة وهوه دينذبح بالعراق، وكم يتيم وكم أرملة وكم محتاج راح ياكلون من عنده، رغم أنه الخرفان كلللللللللللش غالية السنة بالعراق، يعني حوالي800 - 900 درهم أما في الصومال فيكلف الخروف 200 درهم!
حاولت أفتهم السبب في بلد المزارع والخيرات - سابقاً - بس هم بعده أرحم من الصومال، لكن والله ما افتهمت!
لكن أهم شي أنه السعادة اللي شعرت بيها جانت كلش مو طبيعية.. سبحان رب العالمين
أتمنى إنه عيدكم جان آمن وسعيد وإن شاء الله العيد الجاي كليتنة على جبل عرفة.. مغفور ذنوبنا.. متقبل طاعاتنا.. آميييييييييييييييين

منفـــــى في الفلوجـــــة (2)

ملاحظة: القصة هي تسجيل لأحداث وقعت، وقدلا يكون لبعض الأحداث علاقة بالقصة الرئيسية، لكنها حدثت في نفس الفترة الزمنية، وذكر الحدث لا يعبر عن رأيي فيه.

في فندق الرشيد، في المنطقة الخضراء التي تستخدمها القوات الأمريكية كقاعدة ومنطقة أمنية خاصة بقياداتها والقيادات العراقية الموالية لها، وقف أربعة أجانب في ثياب مدنية، يتحدثون مع الجنرال مايكل، كانت الأوامر التي أعطيت له تقضي بتوفير كل التسهيلات لهؤلاء الأربعة، فهم خبراء من الموساد استعانت بهم المخابرات الأمريكية (CIA) لإحكام سيطرتها على العراق، فالموساد لهم خبرة طويلة مع العرب، وباع طويل في أساليب قتالهم ومقاومتهم وردعهم!!
كان القادة في الموساد قد أبدو رغبة قوية في المساعدة بمقابل الكثير مما تستطيع أن تقدمه أمريكا لهم من خيرات العراق، سواء من النفط، أو تسهيلات لليهود بتملك أراضي على العراق، فأرسلوا أربعة من أكفأ رجالهم وأكثرهم خبرة، كانت وجهتهم التالية هي قاعدة الحبانية العسكرية، وكان الجنرال يشرح لهؤلاء الأربعة الطريق الذي سيستخدمونه للوصول إلى هناك، وكان الطريق الوحيد المؤدي إلى الحبانية يمر عبر الفلوجة..!
ولما كانت الفلوجة تثير القلق فقد تم تجهيز الضيوف بأسلحة كثيرة وقوية، وسيارة على درجة عالية من التصفيح، ولبس الرجال ملابس مدنية للتمويه، فلا يعرفهم أحد..
أوصلهم الجنرال إلى السيارة، وزودهم بما يحتاجون إليه، وتابعهم بعينه حتى اختفوا، وتنهد كأنما قد انتهى من مهمة ثقيلة..
داخل السيارة كان رجال الموساد يتندرون ويضحكون على كل من يرونه، وكانوا يأكلون ويشربون ويمرحون، وعندما اقتربوا من الفلوجة، جهزوا أسلحتهم، فقد سمعوا عنها الكثير من جنرالات الجيش خلال الأيام الفائتة، فهي مدينة يرفض أهلها الخضوع لأمريكا، كما أنهم يشكلون جماعات مسلحة تقاوم الوجود الأمريكي والديموقراطية الأمريكية..
وعندما دخلوا الفلوجة سخروا في أنفسهم من كل ما سمعوه، فهي مدينة بسيطة جداً ويبدو الفقر في أنحائها، ولا يوجد فيها شخص واحد يحمل سلاحاً.. وكانت الأمور تمر بسهولة، ثم وعلى التقاطع الكبير في وسط الفلوجة اضطروا للوقوف، وقد أتاح توقفهم فرصة ليراهم المارّة، كان الناس ينظرون إليهم باشمئزاز فمنظر السيارة الحديثة يدل على أن ركابها من المحتلين..
ومن خلفهم على بعد عدة سيارات، وقفت سيارة كانت تراقبهم منذ أن دخلوا حدود الفلوجة، وفي داخل السيارة قال أحد الجالسين:
- هذه سيارة المخابرات التي وصلتنا أخبارها، استغلوا فرصة الازدحام ووقوفهم على التقاطع، لن نجد فرصة أفضل، فسيارتهم مصفحة، ولن يتوقفوا حتى يصلوا إلى القاعدة، توكلوا على الله.
نزل ثلاثة ملثمين من السيارة وبقي فيها السائق، واتجهوا إلى السيارة بخطوات سريعة خفيفة وطوقوها من جهات مختلفة، وبدأوا بإطلاق النيران وحناجرهم تهتف:
- الله أكبر.. الله أكبر..
سُمعت بعض الصرخات، وابتعد الناس عن السيارة، ووقفوا من بعد يراقبون ما يحدث، كانت الرصاصات تنطلق فتصيب السيارة، فتخدشها فقط، تسمّر رجال الموساد للحظات على الرغم من أنهم في سيارة مدرعة، ثم حاول سائقها الانطلاق بها غير أن السيارات التي تركها أصحابها حولهم كانت قد أغلقت الطريق، فاستل سلاحه وفتح النافذة قليلاً ليصوب باتجاه المقاومين، وكان زملاؤه قد فعلوا المثل فسمع أحدهم يصرخ به:
- موفاز.. اخرج بنا من هنا..
قال وهو مشغول بالتصويب:
- لا أستطيع.. الطريق مغلق.. نحن في سيارة مصفحة وهذه فرصة لننال من هؤلاء العرب المزعجين..
بدا الغضب في صوت الرجل الأول وهو يجاهد ليحسن التصويب عبر الفتحة الضيقة:
- تباً لك موفاز.. اصعد على الرصيف.. اخرج بنا من هنا قبل أن يأتوا بالإمدادات..
عقد موفاز حاجبيه وترك سلاحه وقال وهو يحاول التحرك بالسيارة:
- حقاً لم أفكر بهذا.. إمدادات!.. الملاعين!
في تلك اللحظات كان الشاب الذي بقي في السيارة يرى أن رصاصات زملائه ترتد عن السيارة، والسائق ترك التصويب، خفق قلبه بشدة، لم يكن يريد لهؤلاء أن يهربوا فهم غنيمة ثمينة لكونهم من رجال الموساد، فترك مكانه وانطلق إلى السيارة المصفحة، وقفز على سقفها، سمع ضحكاتهم وقد أصابوا أحد المقاومين، فأسرع وأدخل سلاحه من فتحة النافذة المجاورة للسائق الذي كان يصعد الرصيف الآن، وأطلق الرصاص، جحظت عين السائق وسقطت رأسه على المقود، فانطلق نفير السيارة.. اتسعت عيون باقي الجنود بدورهم، وصرخ أحدهم:
- اللعنة.. موفاز.. ولكن كيف؟
وقبل أن يعرف الإجابة انطلقت الرصاصات لتحصدهم جميعاً، تاركةً ملامح الرعب مطبوعة على وجوههم شاهدةً على كذب ادعاءاتهم بالبطولة والشجاعة..
وقف الشاب على السيارة وهتف:
- الله أكبر.. الله أكبر..
ردد الأهالي من بعده التكبيرات بفرح، ثم ابتعد هو وأصحابه الثلاثة، دون أن يشعر بهم أحد..
وسط التكبيرات اقتربت مجموعة من الشباب وحاولوا فتح السيارة لكنهم لم يستطيعوا، فأشعلوا النار في السيارة، كانت ألسنة اللهب ترتفع في الهواء فتختلط مع زفرات الأهالي، كأن نيران السيارة هي نيران قلوبهم التي صنعها المحتل بقتله الأهالي وتدميره البيوت في القصف اليومي..
كانت مجزرة السوق ماثلة في أعين أهل الفلوجة لم يمض عليها يوم واحد، وكان هناك شهيد في كل بيت، فبدا أن هذا انتقام لهم جميعاً..
تقدمت مجموعة غاضبة من طلاب مدرسة إعدادية، وكل منهم قد فقد أخاً أو أختاً أو قريباً، أو تهدّم بيته، واقتربوا من السيارة بعد أن هدأت نيرانها قليلاً، فأخرجوا الجثث وعلقوها على جسر الفلوجة، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يشعرون فيها أنهم قد آذوا الأمريكيين، رغم أن تعليق الجثث لا يساوي قتل أطفال الأهالي ونسائهم، ولا يساوي الاعتقالات العشوائية التي تحصد كل من تصل إليه يد المحتل فيُلقى في المعتقلات ولا يدري عنهم أحد، ولا يساوي كذلك تعذيب الأحياء الذي يتم داخل المعتقلات، بعيداً عن أعين الناس فيقومون بما تقشعر له الأبدان وتفزع له القلوب..
************************************************************
في إحدى القواعد الأمريكية، وفي قاعة الاجتماعات، كان الغضب بادياً على الوجوه، وهم يناقشون ما حصل وأحدهم يلقي اللوم على الآخر، ثم صمت الجميع عندما دخل القائد الأعلى للقوات الأمريكية جون، وترأس الاجتماع، حيث طلب من أحد الضباط أن يلقي على مسامعه تقريراً عن الحادث، وبعد أن انتهى التقرير قال:
- جنرال مايكل ألم تعرف أهمية المهمة التي عُهِدت إليك؟
امتقع وجه الجنرال، لكنه حاول التماسك وقال:
- سيدي.. كنت أعرف، وقد كلفت رجالي بتزويدهم بأحدث الأسلحة، وقد استخدموا أفضل سيارة مصفحة لدينا، واستخدموا التمويه حتى يبدو كأنهم من وكالات الإغاثة، فارتدوا الثياب المدنية، ولم تكن السيارة سيارة عسكرية، كما أني لم أرسل معهم سيارات حراسة حتى لا ألفت النظر إليهم، واعتمدت على كونهم جنوداً مدربين بل ومن الموساد، واستغرب كيف استطاعوا التغلب عليهم.
صمت الجنرال مايكل، فساد سكون ثقيل، ثم قال الجنرال جون:
- فسّر إذن ما حدث.
قال الجنرال مايكل وقد أعد عدته لهذا السؤال:
- سيدي.. يبدو أنهم أخطأوا.. فقد علمنا من التقارير التي وصلتنا أنه تم تبادل إطلاق نيران بينهم وبين المقاومين، ويبدو أنهم فتحوا نوافذ السيارة، كان هذا خطأً حتى لو أنهم فتحوها قليلاً فقط للتصويب، وقد كان الأولى بهم أن يتحصنوا في السيارة، وينطلقوا بها على الأرصفة ما داموا قد وقفوا بسبب الزحام، لكنهم لم يفكروا جيداً وسهلوا على الإرهابيين قتلهم، وربما لم يصدقونا عندما أخبرناهم وحذرناهم من الفلوجة وبأنها أرض الموت..
بدا الامتعاض على وجهه الجنرال جون وضرب الطاولة بقبضته في غضب وقال:
- وهل تريدني أن أقول هذا الكلام للسيد وزير الدفاع؟ هل هذا ما تريدنا أن نقوله للإسرائيليين؟ رجالكم أخطأوا، ونعتذر لأننا أخفقنا في حمايتهم! هل تريدني أن أقول هذا؟
ارتبك الجنرال مايكل قليلاً لغضب الجنرال جون، لكن عينيه التمعتا وهو يبتسم بخبث ويكمل إجابته التي خطط لها:
- لا يا سيدي.. لدي اقتراح آخر.. ما رأيك أن تقول لهم أن من قتل الجنود الأربعة هم جماعة أبو مصعب الزرقاوي؟
ساد الصمت في المجلس، وبدا أن اقتراح الجنرال مايكل قد فاجأهم لكنه لاقى قبولاً من الجميع فقال أحد الجنرالات:
- سيدي إذا سمحت لي..
فقال الجنرال جون:
- هات ما عندك جنرال ستانلي.
قال الجنرال ستانلي:
- سيدي.. إلقاء التهمة على الزرقاوي وجماعته لن يبرر فقط موقفنا أمام إسرائيل، بل ونستطيع استخدام فكرة القبض على الزرقاوي للقيام بعملية عسكرية للانتقام لهؤلاء الجنود، وللقبض على أبو مصعب الزرقاوي، وبذلك نلقن أهل الفلوجة درساً لن ينسوه، ونحكم قبضتنا على جزءٍ مهمٍ من العراق..
كان الجنرال جون ينقر الطاولة بإصبعه في رتابة، وفجأة توقف عن ذلك وانبسطت ملامح وجهه وقد بدا عليه الارتياح وقال:
- فكرة لا بأس بها، سنُخضعها للدراسة، أما الآن فأريد أن يتم التحقيق مع كل من كانت له علاقة بهؤلاء الجنود، لمعالجة هذا التسرب الخطير جداً في المعلومات، وأريد نتائج التقرير على مكتبي خلال ثلاثة أيام على الأكثر.
ثم نهض وغادر القاعة، التي انفجرت بالتعليقات بعد مغادرته، والجميع يناقش الفكرة التي طًرحت في الاجتماع، وبعد يومين، جاءت الأوامر بتنفيذ الخطة، وحشد جيش كبير لمقاتلة الفلوجة، التي صمدت في المرة الأولى، وكانت الأوامر تنص على عدم ادخار جهد في الوصول إلى أبو مصعب الزرقاوي، بقتل كل حي يتحرك، واستخدام جميع أنواع الأسلحة إذا ما احتاجت القوات لذلك، وبالنسبة للجنرال مايكل، فقد كانت الحاجة لاستخدام كل أنواع الأسلحة قائمة منذ اللحظة الأولى للحرب..


************************************************************

كانت نجلاء تذهب إلى الحضانة كل يوم قرابة الساعة التاسعة، ويمر أياد عليها عند عودته من عمله ليرجعها معه إلى المنزل، تعلّقت نجلاء بالأطفال هناك، فكانت تحب سماع عائشة وهي تحكي، وتحب رؤية ياسر ومحمد وهما يلعبان وكذلك بقية الأطفال.. كانت أعمارهم مختلفة، ولكل منهم شخصية جميلة جذابة، كانت تحب تحلّقهم حولها وهم يستمعون إليها تحكي لهم القصص بشكل مبسط، وتحاكي أحداث القصة بأصوات وحركات..
وذات يوم وبينما هي تراقب وجههم المتعلّقة بها، حيث عيونهم التي اتسعت من الخوف على العصفور من القط، وضحكاتهم التي انطلقت بسعادة فرحاً لنجاة ليلى من الذئب، دوى صوت انفجار هائل أحال ضحكاتهم البريئة إلى صراخ خائف مرتعب، توترت نجلاء، فليست المشكلة في صوت الانفجار الذي كان الجميع معتاداً عليه، إنما بسبب قرب الصوت وشدته، كان الأطفال يصرخون ويركضون في كل اتجاه، وقد جاءت أم حارث لتساعد نجلاء في تهدئة الأطفال، وإلهائهم ببعض الأناشيد التي بدأ بعض الأطفال ترديدها مع نجلاء وأم حارث، وبدأت البسمات ترتسم على الوجوه، وأيديهم الصغيرة تكفكف دموعهم، وصوتهم يتعالى يحاول أن يطغى على صوت الطائرات والقصف، لكن صوت الطائرة الحربية المنطلقة عاد ليدوي قريباً من الحضانة وليدوي بصوت قوي جداً، جعل الأرض تهتز من تحتهم، وزجاج بعض النوافذ يتطاير متحطماً من مكانه، متناثر على بعض الأطفال، الذي ازدادوا رعباً وصراخاً مطالبين بأمهاتهم، حاولت أم حارث ونجلاء احتضانهم وتهدئتهم، وهما تفكران فيما يجب أن تفعلاه، إذ يبدو أن القصف متركز اليوم على منطقتهم هذه بالذات، إذن ليس من الحكمة الخروج من الحضانة، وانقسم الأطفال إلى مجموعتين إحداهما مع أم حارث والأخرى مع نجلاء، وكلتاهما تحاول جهدها في تهدئة الأطفال وبث الطمأنينة في قلوبهم.
عادت الطائرة من جديد تئز فوق المنزل، وازدادت صرخات الأطفال عندما انفجر حائط المنزل كاملاً فأَخمد بعض الصرخات البريئة، وازدادت الصرخات الأخرى ارتفاعاً، والحجارة المتناثرة من الحائط تضرب الجميع والأطفال الذين تحاول نجلاء أن تغطيهم بجسدها، بينما ارتفعت ألسنة نيرانٍ قوية تلفحهم، رفعت نجلاء رأسها بحذر لترمق الطائرة المعتدية وهي تبتعد، ونجلاء تتابعها بنظرات الغيظ من فتحة السقف الكبيرة التي خلّفها الانفجار، رأت نجلاء النيران وجداراً يكاد ينهر من أثر الضربة، كانت مجموعتها الأبعد عن الانفجار، كانوا بخير تقريباً، كان بعض البكاء والصراخ يخرج من الغرفة الأخرى وربما بعضه من تحت الأنقاض، لكن قبل أن تفعل أي شيء يجب أن تخرج الأطفال الذين معها إلى الخارج قبل أن ينهار الجدار، أخذت تدفعهم أمامها وهي تطبطب على أكتافهم ورؤوسهم، وما إن أصبحت في حديقة منزل أم حارث حتى رأت أمامها بعض الرجال والنساء الذين جاءوا بعد أن هدأ القصف، وسمعوا بل ربما رأوا الضربة التي أصابت منزل أم حارث الذي يعرفون أنه حضانة، تركت الأطفال في حماية بعض السيدات ثم عادت مع الذين دخلوا ليطفئوا النار وليروا إن كان من أحياء بالداخل، لم تتمالك نفسها وهي ترى يداً صغيرة تخرج من تحت أنقاض الحائط، فانهمرت دموعها بحرقة، تابعت بحثها وهي تنادي أم حارث، وبعد أن أزاح الرجال ركاماً كان يغلق فتحة باب الغرفة التي يُسمع منها الأصوات المستنجدة، اندفعت إلى الغرفة لتبحث عن الأطفال كأنهم أولادها، وجدت بعضهم جالساً قرب الركام يبكي، فاحتضنتهم جميعاً وأخرجتهم وهي تحاول أن تبعد نظرهم عن الأشلاء المحترقة التي بدت بعد إطفاء النيران، وعندما سلمتهم للنساء الواقفات بالخارج، عادت لتحاول المساعدة في إخراج طفل يبدو لهم صوته من تحت الأنقاض، تعرفت فيه صوت ياسر فأخذت تحدثه وتصبّره، وحاولت النظر علها تجد أم حارث في مكان ما، لكنها لم تجد لها أثراً، وبعد عدة محاولات استطاعوا إخراج ياسر، الذي احتضنته نجلاء بفرح على نجاته، ودموعها تغرق خديها، ثم لمحت قدم أم حارث، لابد أن تكون قدمها فهي أكبر من أقدام الأطفال، كانت محترقة ممزقة، شهقت نجلاء، وأغمضت عينيها مخفية رأس ياسر في صدرها وهي تُخرجه إلى الحديقة، فجاءتها الطفلة عائشة وقالت لها:
- ست نجلاء.. ست نجلاء.. أين محمد وست وداد؟
انحنت نجلاء لتقابلها وهي تغالب حرقة قلبها ودموعها المنهمرة، لتقول:
- في الجنة.. هم في الجنة.. إن شاء الله..
غصت كلماتها الأخيرة في دموعها واحتضنت عائشة محاولة بث الطمأنينة في القلوب الصغيرة البريئة، ثم عادت إلى الداخل علها تكون مخطئة..

************************************************************

كان أياد جالساً في مكتبه عندما بدأت الغارة، وبدأت الإنفجارات ترتفع، ثم سكنت بعد ربع ساعة من القصف المدمر، عندما سمع أحد زملاءه في العمل يقولون:
- الحضانة قُصفت.. الحضانة.. أولادي هناك..
خفق قلب أياد بشدة وهو يستمع لهذه الكلمات قبل أن يسأله:
- ولكن.. جمال.. من أين عرفت؟
كان جمال يخرج من الغرفة مسرعاً فتوقف للحظة وقال:
- أم هيثم قريبتنا جارة الحضانة اتصلت وأخبرتني ولكنها لم تعرف شيئاً بعد عن أولادي.. يارب سلّم.. يارب سلّم..
وانطلق عبر الممر إلى سيارته..
خفق قلب أياد، فعروسه وشريكة حياته وأم أولاده المستقبليين هناك، انطلق مسرعاً خلف جمال، وركب سيارته متجهاً إلى الحضانة، وقلبه يرتعد خوفاً، لا يريد مجرد التفكير أنه قد حصل لها شيء، تذكر أول مرة رآها فيها، كيف رآها محجبة حجاباً سابغاً، محترمة، تمضي في طريقها، غاضة للبصر، تبعها حتى عرف بيتها، ورجع يخبر أمه أنه يريد أن تخطب له، تذكرها وهي ترفل في فستانها الأبيض وتمشي كالأميرات، تذكر رحلتهما معاً إلى آثار سامراء، جولتهما، كلماتها، نقاشهما حول تاريخ الآثار، تذكرها كل يوم توقظه قبل صلاة الفجر ليصليا قيام الليل، وتراءى له وجهها الملتف بغطاء الصلاة الأبيض كسحابة بيضاء تحوط القمر..
كان يسابق الزمن للوصول إلى الحضانة التي ما أن أصبح قريباً منها نوعاً ما حتى بدا أن الطريق مسدود، ترك سيارته وهو يسمع سرينات سيارة الإسعاف، انطلق يعدو على الرصيف وهو يشاهد الدماء هنا وهناك، وبعض السيارات المحترقة التي يرشها الموجودون بالماء، انقبض قلبه خوفاً، وتزايدت سرعته حتى وصل إلى الحضانة واقتحم بابها الخارجي مندفعاً يبحث عنها بعينيه، سأل بعض الواقفين فلم يعرفوها، أسرع إلى المنزل يحاول دخوله إلا أن بعض الرجال كانوا يعدون خارجين منه ومن خلفهم يدوى صوت هائل، ظنه أياد انفجاراً آخر إلا أنه سمع كلامهم وهم يقولون:
- وقع الجدار عليهم..
- كان سيقع في أي لحظة.. فقد خلخله الانفجار..
- الله يرحمهم.. يجب أن نستعين بالآلات لنخرجهم..
سقط قلب أياد بين قدميه، وهو يصرخ:
- أرأيتم امرأة؟ امرأة متوسطة الطول، بيضاء، عيناها عسليتان.. أما رأيتموها؟
رد عليه أحدهم:
- أنا رأيت امرأة لكني لم أميز شكلها تماماً، فقد سقط الجدار مباشرة عندما لمحتها.. الله يرحمها ويرحم الجميع.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. الله يصبّرك..
انهار أياد.. سقط على ركبتيه.. لم يعد قادراً على الوقوف.. لقد تحقق أسوأ مخاوفه.. شعر بأن الدنيا تظلم في وجهه.. غطى وجهه بكفيه.. ولم يقدر على منع تلك العَبَرات التي تسللت من عينيه.. لقد فقد فجأة كل ما بناه وسعى من أجله.. كل عمله الإضافي واجتهاده.. كل أحلامه وأمنياته.. أولاده.. الطبيب والمهندس والمعلمة.. وزوجته التي ترعى كل ذلك وتكلله كملكة..
انتهى كل شيء بسبب هؤلاء الأوغاد..
أمريكا التي لا عمل لها سوى نشر الإرهاب في العالم.. أليس الإرهاب قتل الأبرياء؟؟ أليس قصف الحضانة وقتل الأطفال الأبرياء إرهاباً؟ أليس ترويع الآمنين وتدمير البيوت إرهاباً؟؟ أليس الاحتلال بكل أشكاله إرهاباً؟!!!
اضطرمت النار في قلبه.. فهاهي أمريكا تنتزع منه زوجته الغالية.. بعد أن انتزعت الأمن والسلام.. وبعد أن انتزعت وطنه الحبيب..
شعر أنه لا بد أن يفعل شيئاً.. لابد أن ينضم لعبد الستار ولطفي وإبراهيم.. كلهم يحملون السلاح ليدافعوا عن أرضهم وشرفهم.. لا يقتلون سوى الأمريكيين.. ويحافظون على الأمن والاستقرار بعد سقوط الدولة..
لابد أن ينضم إليهم.. ويتعلم القتال.. ويقاتل.. يقاتل لينتقم لنجلاء الحبيبية..
صرخ وهو يثب من سقطته:
- نعم.. لابد..
لكن من اصطدمت به عيناه كان آخر شخص يتوقعه.. كان نجلاء.. نعم لابد أنها هي.. كانت تحمل طفلاً مصاباً في قدمه إلى المسعفين..
تقدم منها فتراءت له.. نجلاء الجميلة.. الزوجة الحبيبة.. على قيد الحياة.. انطلق إليها وهو ينادي:
- نجلاء.. نجلاااااااااء..
التفتت إليه والسعادة تتلألأ في وجهها، وناولت الطفل للمُسعف وابتسمت لأياد وقالت:
- هل أتيت لتطمأن عليّ؟
كانت السعادة قد ألجمته.. فتردد لحظة ثم سألها:
- تلك المرأة في الداخل.. من هي إذن؟
أطرقت نجلاء برأسها أسىً وقالت:
- أم حارث.. رحمها الله..
ثم استدركت وهي تنظر في عينيه:
- هل ظننتني أنا هي؟
نظر إليها ليتأكد من أنها أمامه وقال:
- نعم.. ظننتك..... ولكن لا.. الحمد لله أنك بخير.. ولا داعي لأن أعود لظني السابق.. هل أنت بخير؟
ثم نظر بجزع إلى دماء تلوث ثيابها وقال:
- ما هذه الدماء؟ أنت مصابة؟
قالت بحزن:
- إصابات خفيفة.. لكن الدماء هي دماء بعض الأطفال.. الأطفال الذين أحبهم.. فقد أصيبت زهراء وشمس لكنهما بخير والحمد لله.. أما محمد.. محمد ذو السنوات الخمس، الذي كنت أخبرك أنه كان يجمع مصروفه على أمل أن يستطيع أن يشتري نعالاً لأمه التي تعمل طوال اليوم، محمد وزينب استشهدا تحت الحطام مع أم حارث، كان المنظر رهيباً، يا إلهي.. أياد أنت لم ترَ أشلاءهم.. لم تر الدماء..
أمسكها أياد من كتفها، وقال وهو ينظر إلى وجهها محاولاً التخفيف عنها:
- طيور في الجنة.. لا تنسي أنهم طيور في الجنة..
أومأت برأسها وقالت:
- نعم إن شاء الله.. الله يعين أهلهم.. أريد أن أتأكد من وصول الأطفال إلى أهاليهم، معظم الأهالي قد أخذوا أطفالهم.. لكن يجب أن أبقى مع الباقين..
ربت أياد على كتفها وقال:
- وأنا معك.. هيا.. من بقي؟
تأكدت نجلاء من وصول الأطفال إلى أهلهم، وحاولت التخفيف من آلام أهالي الشهداء.. عادت إلى المنزل مع أياد.. وفي قلب كل منهما أمل كبير..
أمل بأن هذا الاحتلال مجرد كابوس..
كابوس سينجلي مع استمرار المقاومة..

يتبــــــــــــــــــــــع .............

منفـــــى في الفلوجـــــة (1)


تسجيل لأحداث حقيقية وقعت في ديسمبر عام 2004 في ما عرف بأحداث الفلوجة خلال أيام حصار وحرب دامت 45 يوماً من قبل قوات الاحتلال الأمريكي.

أنا اسم بلا لقب
صبور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
سجل!
محمود درويش

من بين الزروع والثمار.. من بين أسعف النخيل.. وأوراق أشجار الليمون والخوخ.. هبت نسائم جميلة.. حملت أصوات الأذان من المساجد الكثيرة المنتشرة في المدينة، صانعة منها خليطاً رائعاً من الأصوات الندية التي لا يمكن سماعها إلا في تلك المدينة المسحورة..
داعبت أصوات الأذان مسامع نجلاء فاستيقظت وأيقظت زوجها أياد ليصليا الفجر.. وبدأت أصوات الحركة تدب في المنزل حيث تسكن نجلاء مع أهل زوجها، فها هي أصوات أولاد عماد أخو أياد وهم يختلفون على الحمام، وهاهو صوت الحاجة أم أياد توقظ ابنتها نهلة وصوت أياد الذي ذهب ليوقظ أخاه حازم، خرج الشباب إلى المسجد، وصلت النساء جماعة، ثم صعدت نجلاء لغرفتها لترتبها..
كانت النافذة مفتوحة فهبت نسمة باردة جعلت نجلاء ترتعد وهي تتجه إلى النافذة لتقلل من فتحتها، لكن المنظر من النافذة شدها فوقفت تتأمل الشمس التي بدأت تنشر ضياءها على الكون، وسعف النخيل الذي أخذ يتمايل مع النسائم الرقيقة حتى بدت أشجار النخيل كأنها تلوّح من بعيد، ومن خلفها بدا النهر كأنه نهر من الفضة يتلألأ وبريقه ينشر أضواء لامعةً على الأشجار والمزروعات..
أغمضت نجلاء عينيها، وهي تحفر ذاك المنظر في ذهنها، وتمزجه بأصوات الصلاة التي لا زالت قائمة في بعض المساجد، لتستشعر عظمة الخالق وإبداع صنعه، هبت نسمة داعبت وجهها وشعرها الذي يتطاير مع الهواء، فابتسمت لمّا تناهى إلى سمعها حديث بعض الصبية المتجهين إلى المدرسة القريبة، الذي كان عن مباريات كأس العالم لكرة القدم، وكيف يصف أحدهم رمية بطله، والآخر يؤكد أن الفريق الذي يشجعه هو الأفضل..
نبهها خروج الأولاد إلى مرور الوقت وهي في وقفتها تلك، دون أن تنزل لمساعدة الحاجة أم أياد وسندس زوجة عماد في تحضير الإفطار للجميع، ولكن ما أن ابتعدت عن النافذة حتى وجدت أياد يتقدم إليها، ويطل من النافذة وهو يقول:
- فيمَ تفكر الحلوة؟
ابتسمت في دلال وهي تنظر إليه وتقول:
- كنت أنظر إلى هؤلاء الأولاد الصغار، وأتخيل ابننا بعمرهم، ويذهب معهم إلى المدرسة، ويناقش معهم كرة القدم، والواجبات، أتخيله يأتي إلي راكضاً فرحاً بنتيجته.. أتخيله مهندساً ماهراً كأبيه..
ضحك أياد مقهقهاً وقال:
- فليأت أولاً ثم خططي مستقبله، نحن لم نتزوج إلا منذ أربعة أشهر، وأنت تستعجلين التعب؟
ضحكت بدورها وقالت:
- تعبهم راحة، أنت لا تعرف كم سأكون سعيدة بانشغالي معهم..
لوى فمه عابساً بشكل مازح وقال:
- وتتركيني؟ من سيعتني بي إذن؟
ضحكت وهي تلبس حجابها وقالت:
- ومن قال أني سأهملك.. أنت في عيني..
وضع يده على كتفها وهو يقول:
- يحفظك ربي لي، وحفظ أجمل عينين رأيتهما في حياتي.
ضحكا في مرح وهما يتجهان إلى الطابق السفلي..
أخذت نجلاء تساعد سندس في تحضير الإفطار، وتجمع الجميع يأكلون بسرعة ليلحقوا أعمالهم، وكالعادة، بدأ أولاد سندس في العراك، فأنهى عراكهم والدهم عماد الذي قال:
- من لا يركب السيارة الآن، فسيضطر للذهاب مشياً، لا أريد أن أتأخر عن العمل.
فانطلقوا يتراكضون إلى السيارة، ونجلاء وسندس يضحكون من منظرهم، وقالت نجلاء لأخت زوجها نهلة:
- وأنت ألن تلحقي بهم؟ ألا تريدين أن يوصلك عماد للمدرسة؟
قالت نهلة بتذمر:
- بلى، لكن أنت تعرفينهم، سيتعاركون أولاً على أماكنهم في السيارة، لذلك سأنتظرهم حتى يستقروا في جلستهم ثم أركب.
ضحكت نجلاء وسندس من جديد، ثم جاء حازم الذي قبّل رأس والده العجوز الضرير، وقبّل رأس والدته وهو يتناول منها رغيفاً من الخبز الحار الذي أتمت خَبزه قبل دقائق فقالت له:
- ألا أضع لك شيئاً في الخبز؟
فقال:
- لا شكراً يا أمي.. يجب أن أذهب الآن.
فقالت وهو تودعه بنظراتها:
- الله يحفظك ويحميك، وتنجح وتتخرج وتصبح طبيباً كبيراً.
أتم أياد إفطاره، فخرج بعد أن ودع نجلاء وقبّل والديه.. وبدأت سندس تجمع الصحون، أما نجلاء فقد أتمت تحضير إفطار خاص لعمها العجوز بسبب مرضه، ثم ذهبت إليه وبدأت تساعده في تناول طعامه بكل الحب والحنان كأنه والدها، ثم أسندته، وأخذته إلى غرفته ليرتاح على سريره، وقبلته على رأسه، فطلب منها أن تفتح المذياع على إذاعة القرآن الكريم، ففعلت ثم أغلقت الباب بهدوء.
واتجهت لتبدأ أعمالها في التنظيف، وفي طريقها قالت لسندس:
- أنا سأتولى اليوم تنظيف البيت، وأنت عليك غسل الملابس، فأنا سأذهب عند أم حارث لأساعدها في الحضانة..
ثم تابعت وهي ترتب بعض الوسائد وتجمع الألعاب لتعيدها لمكانها:
- عندما ذهبت أنا والحاجّة لزيارتها البارحة كانت متعبة جداً من عملها في الحضانة، فعرضتُ عليها أن أساعدها، وقد سمح لي أياد بذلك فهو يعرف حبي للأطفال، وعندما اتصلت بها مساءَ لأخبرها بمجيئي أبت إلا أن نتفق على أجر لي لقاء عملي، رفضت لكنها ألحت كثيراً، ولم أجد بُداً من أن أقبل، لكني لن آخذ أكثر من مبلغ بسيط..
قالت سندس وهي تجمع بعض الملابس لتغسلها:
- وكيف ستصرفين المبلغ؟
ضحكت نجلاء وقالت:
- لم أعمل بعد ! لكني سأجمعها وسأستغلها أفضل استغلال إن شاء الله.. لم أفكر بعد كيف، لكني سأعرف ماذا أفعل..
اتجهت نجلاء إلى الدلو لتملأه بالماء، وأمسكت الخرقة التي تُستخدم في مسح الأرضيات واتجهت لأول غرفة..
كانت نجلاء تنشد بصوتها الجميل وهي منهمكة في التنظيف عندما قطعها صوت انفجار شديد، وارتج البيت بشدة، فصرخت نجلاء وهي تجلس على الأرض وتحمي رأسها بيديها، كان شيئاً معتاداً أن تسمع أصوات الإنفجارات في الفلوجة، فلا يمر اليوم بدون قصف، غير أن الانفجار كان قريباً هذه المرة، استمرت الإنفجارات مدة عشر دقائق، أحست خلالها نجلاء أن مخازن الصواريخ الأمريكية قد نفدت، انتهت الإنفجارات بإنفجارين أخيرين امتزجا بأصوات الطائرات المبتعدة، وبقيت نجلاء على حالها حتى تتأكد أن الطائرات لن تعاود الهجوم، ثم قامت على حذر تجول في البيت ووجدت سندس تجلس بجانب الحاجة ساهرة والدة زوجيهما، وذهبت مسرعة لتطمئن على الحاج، فوجدته قد جلس من رقدته، وهو يسبح ويستغفر، فسألته:
- هل أنت بخير يا عمي؟
أومأ برأسه وقال بقلق:
- الكل بخير؟
قالت له وهي تربت على كتفه:
- نعم يا عمي الكل بخير، اسمح لي أساعدك.
أعانته على العودة لفراشه، ثم عادت إلى سندس والحاجة، فوجدتهما، تطمئنان على المنزل، لكن نجلاء رأت قلقاً في عين سندس فقالت لها:
- إن شاء الله يعود الجميع بخير.
شردت سندس بعينها، وقالت وهي تفرك يديها بقلق:
- ترى أين سقطت القنابل هذه المرة؟ كان القصف شديداً جداً.. يا ربي، أنا خائفة على الأولاد.
قالت لها نجلاء في محاولة لإزالة قلقها:
- أنا لا أعتقد أنها قريبة من مدرستهم.
أومأت سندس برأسها تريد الاقتناع بكلام نجلاء لكن الألم بدا على وجه سندس وهي تقول:
- لكن القصف استمر فترةً طويلةً، لا أعتقد أن هناك بقعة في الفلوجة لم يتم قصفها !
ربتت نجلاء على كتفها وقالت:
- أنت تتخيلين فقط !
ثم اتجهت إلى الحاجة ساهرة التي جلست في طرف الغرفة صامتة كأنها تنتظر نعي أحد أولادها أو أحفادها، جلست بجانبها تحاول تهدأتها وترمق سندس التي كانت تجول في الغرفة بقلق فتلتفي عيناهما لتتباعدا من جديد مداريتين القلق الذي كان يعصف بقلبيهما، قالت نجلاء محاولة تبديد مشاعر القلق:
- يبدو أني لن أذهب إلى أم حارث اليوم.. المسكينة.. أكيد أنها تنظر وصولي لأساعدها، كنت سأنهي الآن تنظيف البيت وأذهب إليها.
ربتت الحاجّة على كتف نجلاء وهي تقول:
- بارك الله فيك يا بنتي.. تستطيعين الذهاب إليها، سنكون بخير إن شاء الله..
رددت نجلاء بصوت خافت:
- إن شاء الله، لكني أفضّل البقاء، أريد أن أطمئن على أياد أولاً.
بعد ساعة من الانفجار قالت سندس وهي تكاد تبكي:
- لقد تأخروا لابد أن مكروهاً حدث لهم، أنا أريد أن أذهب لأطمئن عليهم.
ذهبت إليها نجلاء، ووضعت يدها على كتفها متظاهرة بالشجاعة رغم قلقها وقالت لها:
- لا يا سندس، ربما كان الطريق مسدوداً اصبري قليلاً، وستجدينهم إن شاء الله يدخلون الآن من الباب.
وكأنما استجابة لكلامها، فُتح الباب، واندفع منه الأولاد ويتبعهم والدهم، وأياد وحازم، فشعرت كل من الحاجة وسندس ونجلاء أن ماءً بارداً أطفأ نيران القلق التي كانت تستعر في قلوبهن، وقال عماد:
- تأخرنا لأن الطريق كان مزدحماً، فالسيارات في كل مكان تنقل الجرحى والمصابين إلى المستشفى، وليست فقط سيارات الإسعاف التي لم تعد تكفي، فالقصف هذه المرة كان على منطقة السوق، وتعرفون كم يكون مزدحماً في هذا الوقت، لم نستطع سوى رؤية السيارات التي تخرج من المنطقة حاملة المصابين في طريقها إلى المستشفى، كان من بين المصابين أطفال صغار، كان المنظر حزيناً جداً، وكنت أود المساعدة لكني كنت متلهفاً لأطمئن على الأولاد فذهبت إليهم، ومررنا على حازم في الطريق.. وما أن وصلنا حتى وجدنا أياد يريد الدخول.. الحمد لله أنه لم يتأذى أحد وأن الجميع بخير..
بعد الغداء الذي بقي أغلبه، فلم يستطع أحد تناول شيء بسبب الحزن والغضب الذي ملأ النفوس، كانت نجلاء جالسة في غرفتها، ساهمةً تفكر، فاقترب أياد منها وهو يمازحها ليُذهب حزنها فقال:
- لمَ هذا الحزن كله، الحمد لله الجميع بخير، أم كنتِ تريديني أن أموت؟
التفتت نجلاء إليه بحنق وقالت:
- لا سمح الله، رجاء لا تكررها، لا أريد حتى أن أفكر في هذا، الله أعلم ماذا كنت لأفعل بدونك.
ضحك وقال:
- الحمد لله على القصف حتى أعرف مقدار حبك لي، لكن لم هذا الحزن كله؟
أطرقت نجلاء رأسها وقالت:
- هل تذكر حديثنا صباح اليوم؟ اليوم كنت أفكر بأولادنا، وكيف سيكونون، وماذا سنسميهم، وكنت أخطط لمستقبلهم، ونسيت الخطر الداهم الذي سيكونون فيه إن حضروا إلى الحياة، من الممكن أن يكونوا مع الأطفال الذين رآهم عماد في السوق.
رفعت عينيها وقد امتلأتا بالدموع فقال أياد:
- نجلاء.. حبيبتي.. أولاً الأطفال في كل مكان معرضون للخطر، في أي مكان، الفرق أن الخطر هنا واضح ونعرفه،أعرف أن أوضاع العراق كلها لا تسر، لكنه ابتلاءٌ وعلينا أن نصبر، وأن ننجب من يقف في وجه المحتل، لا أن نتوقف عن الإنجاب خوفاً، هذا ما تريده أمريكا، يتوقف الجميع عن الإنجاب، ويموت الأحياء، عندها تخلو لهم العراق.. أولادنا يجب أن يقاوموا المحتل ليحافظوا على كرامتهم..
كما أنك يجب أن تكوني أقوى إيماناً بالله، يجب أن تثقي أن من يموت فهذا أجله، ولن يغير عليه المكان أو الزمان أي شيء، فهو أجله المكتوب منذ ولادته، والذي سيموت فيه، في قصف أو غيره.
مسح دموعها بيديه، وقال لها:
- يجب أن تُبعدي هذه الأفكار عن رأسك، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وقومي لنصلي العصر وندعوه الله أن يخلصنا ويخلص العراق من الاحتلال.
نظرت نجلاء إلى عينيه اللتان تنبضان بالعزم والإرادة، فقالت بامتنان وقد أثر فيها كلامه:
- نعم وسأدعو الله أن يعيشوا في كرامة وبدون أمريكان، حتى لو اضطروا للموت من أجل الكرامة.
ربّت على خدها بحنان وقال:
- نعم هذه هي الأفكار التي أريد أن تعلميها لأولادنا، هذه هي نجلاء التي أحبها، والتي أحب أن يكون أولادي مثلها..ابتسمت في سعادة أطلت من عينيها، واتجها ليصليا العصر..
يتبــــــــــــــــــــع .................

ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا

هذه الصورة الحقيقية للعجوز الذي رأيته في المستشفى
كنت جالسة في استقبال المستشفى بانتظار أن يأتي ملفي، جالسة أقرأ كالعادة كتاباً أنغمس فيه حتى أنسى ما حولي إلى يأتي دوري، بنفس الوقت كنت أحب أن أتخيل أني عمياء، فهل سأستطيع تمييز الأصوات القادمة، اتجاه الحركة، تخمين ما أستطيع عن شخصية القادم أو الذاهب من الأصوات، من صوت الحذاء حجمه على الأرض، الفراغ الذي يمتلأ، أحاول أن أخمن جنسية كل شخص من الجالسين، تخيل حياتهم، خلفياتهم الاجتماعية، فهذه أخت تلك، وهذه مغربية لكنها متزوجة من إماراتي، وتلك طالبة جامعة، وتلك سيدة كبيرة وابنتها، وتلك متعبة من الأطفال وملاحقتهم.
ربما أكون فضولية لكني لا أزعج أحداً، وفي النهاية أنا أنمي مهاراتي وأنشط عقلي، وهو أمر مفيد فعلاً.. عموماَ.. كنت منغمسة في القراءة وسمعت صوت الأزيز، مطاط يحتك بسطح ناعم، مع بعض الصرير، إنه كرسي متحرك، صوت امرأة هندية أو باكستانية لا أعرف، صوت كعب إذن هي تدفع الكرسي، الجسم الجالس على الكرسي ليس ضخماً، فهي تدفع الكرسي بسهولة، تتوقف أمام الاستقبال، ثم فجأة يندفع الكرسي لكنه اندفاع سريع لا يدل أن المرأة تمشي وراءه إلا إذا كانت تركض!
رفعت عيني في اللحظة التي ارتطم فيها الكرسي المتحرك بالكراسي البلاستيكية المصطفة في الانتظار!
وبحنق اتجهت بعيني إلى المرأة التي دفعت الكرسي!
نعم دفعته لأن الأرض منبسطة وليست مائلة حتى يندفع الكرسي بهذه القوة وبهذا الاتجاه!
نظرت في عينيها، فردت بنظرة منزعجة باعتبار أن الأمر ليس من شأني..
التفت إلى الكرسي، وانقبض قلبي..
وجدت الرجل العجوز منحني الظهر العاجز عن تحريك يده لنش الذباب عنها، ملامحه متغضنة، عجزت عن تبين مشاعره عبرها، هل هو شلل ما؟ أم أنه تعود على ما فعلته المرأة (والواضح أنها ابنته)؟ أم أن عقله غائب عن العالم لسبب ما؟
واضح أن المراجعة تخصه، وأقدر للمرأة المجيء به إلى المستشفى، لكن القليل من المعاملة الإنسانية لا تضر!
شعرت بالألم.. فهي تظن أنها تقوم بواجبها نحوه، وتحضره إلى المستشفى، وتضعه في الكرسي، تتنقل به من مكان إلى آخر.. دفع تكاليف المعاملات حيث يجب الدفع لكل شيء.. كل هذا جميل.. لكن.. ربما لو تركته يموت في البيت مع بعض المعاملة الإنسانية، اللطيفة، ابتسامة، كلمة جميلة بارّة، عناية، محبة، عطف، حنان.. ربما كان ليفضل ذلك..
غداً أكون أنا محله.. وأنا الآن مكان المرأة..
يجب أن استغل كل لحظة في بر والدي.. لا يعرف الإنسان متى يموت؟ ولا هل سيمكنه أن يرد ولو جزءاً مما قاموا به من أجلنا؟
هل من الممكن أن أسأم من والديّ إذا كبرا وعجزا؟
هل سأشعر بأن العناية بهما واجب لا أريد القيام به؟
هل من الممكن أن أتعاجز أو أتكاسل عن غمرهما بالعطف والحب كما يفعلان معي؟؟
بدأت أخاف من نفسي.. سبحان الله كل شيء جائز!
وغداً هل سيقف أولادي معي؟
هل سيحموني؟ يعتنون بي؟ يحبونني؟
هل سأحتاج لتحمل الجفاء والإهانات في سبيل أن أجد من يعتني بي؟
أم أني أفضل الموت بكرامة بين وجوه محبة؟
بروا آباءكم تبركم أبناءكم! سبحان الله..
اللهم أعنا على بر والدينا.. وارحمهما واغفر لهما وارض عنهما رضاً تحل به عليهم جوامع رضوانك، وتحلهم به دار كرامتك وأمانتك، ومواطن عفوك وغفرانك، وأدر به عليهم لطفك وإحسانك، اللهم يا بر يا رحيم بِرَّهم أضعاف ما كانوا يبروننا، وانظر اليهم بعين الرحمة كما كانوا ينظرون إلينا.
آميييييييييييين


دولمــــــــــة ! Dolma

يااااااااااااااااااااا انمسح البوست!

يعني مو كل شي كل شي بس ساعة وآني أحمل الصور !_!
إليكم البوست من جديد :)


الدولمة هي أكلة عراقية شهيرة، يقول البعض أن أصلها تركي، لكن حتى لو كانوا يطبخوها في تركيا فأكيد طريقتهم تختلف، لأن دولمتنا أطيب بكثيييييييييير واسألوا مجرب *_^



طبعاً الدولمة طبخة الكل يعرفها، ليش دا أكتب عنها بالتفصيل؟

لأن كلما كعدنا في جلسة "نسائية" وبعد معرفة أني عراقية أول ما يبدأ السؤال عن:
سمعنا إنه عدكم أكله تحشون بيها البصل !!!
والجزر!!
والطماطم!!
والخياااااااااااااااااار!!!
نعم نعم .. وتبدأ عملية الشرح..
لذلك فكرت أنه من الأسهل إني أكوللهم "بلية وجع راس فوتوا وشوفوا مدونتي" *_^
الحقيقة أنه الصور تحكي أكثر من الكلمات...
أوكي ..
نبدأ باسم الله..

المقادير:
ما سيتم حشوه:
- شجر "كوسا"
- ورق عنب "جميل لو كان طازج من الشجرة مباشرة مثل ما كنا نسوي بالعراق"، وممكن الاستعاضة عنه بالـ "سلق" وهو الفدشي اللي يشبه السبانخ وما أعرف اسمه باللهجات الأخرى.
- طماطم.
- خيار.
- بصل.
- جزر.
- بتيتة "بطاطا"
- باذنجان.
- فلفل.
مقادير الحشو:
- 3 كلاصات لحم أو ما يساوي نصف كيلو لحم مثروم (دسم).
-3 كلاصات رز، الأفضل رز مصري حتة ينفش.
- 2 بصل كبيرة.
- شدة "ربطة" معدنوس "بقدونس".
- شدة "ربطة" نعناع.
- بطن الطماطة المحفورة + 2 طماطم كبيرة.
- بطن الكوسا المحفورة.
- بهارات دولمة + كبابة (المجموع ملعقة أكل كبيرة)
- 2 أو 3 حسب الرغبة معجون طماطم.
- ملح حسب الرغبة.
- نصف كلاص زيت خصوصاً إذا اللحم مو دهين.

طريقة العمل:
1- تجهيز ما سيتم حشوه:

- بصل.(بالنسبة للبصل يتم إزالة القاعدة على شكل مخروط، وقطع البصلة حتى الوصول إلى منتصفها، وإما تسلق أو تقلى والقلي أطيب، كيفية القلي: يوضع القليل من الزيت في الجدر التي سيتم عمل الدولمة فيها، ويوضع البصل ويغطى، يترك على نار هادئة ويقلب بعد فترة، حتى تتفكك حلقات البصل وترتخي)

- شجر "كوسا" (تقشيره على الخفيف جداً، وبالنسبة لي أفضل تخديشه على شكل كاروهات "فيكة يعني" لأن يطلع شكلها جميل ومميز)

- خيار.(يتم حفره)
- فلفل.(يزال القمع والبذور)

- إذا كنا سنستخدم السلق عوضاً عن ورق العنب فالمفروض سلقه قليلاً حتى يصير طري ويسمح بلفه. بس هذا ورق عنب.
- طماطم (يفصل الرأس -ليس تماماً- ويتم تفريغ الطماطم)
- جزر.(يحفر وشوية صعب)
- بتيتة "بطاطا" (الأجمل حفرها على طبقات، فكل طبقة هي عبارة عن طاسة صغيرة لحشوها، تخيلوها كأنها طاسة بنص طاسة)
- باذنجان.(يزال القمع، ويحفر)
ملاحظة: ليست كل المكونات ضرورية، إنما حسب الرغبة.

مكونات الحشوة

خلط مكونات الحشوة جميعها مع معجون الطماطم والبهارات والملح.

في حالة وجود أضلاع لحم أو أعواد السلق، توضع بالأسفل، بالنسبة للخضار يتم وضع البصل أولاً حيث يتم لف كل حلقة حول نفسها بعد وضع الحشوة فيها، وصفها كما في الصورة.
طبعاً زيت في أسفل الجدر.

يتم حشو الخضار.

صف الخضار في الجدر.

أخر طبقة لملأ الفراغات وتغطية الخضار، ورق العنب، وطبعاً بعد ملأ الفراغات يتم ضغط الخضار حتى لا تتفلش وتفقد شكلها.

يتم وضع صحن فوق الخضار (زجاج) لنفس السبب وهو الحفاظ على الدولمة وكل نوع من الخضار يبقة متماسك ومحافظ على شكله ولا ينلاص مع الباقي وتصير هوسة.
يتم إضافة ماي لحم أو ماي دجاج أو ماء مع مكعبين ماجي (الجكليتة أم الديج ^_^)، توضع إلى ما فوق الصحن اللي فوك الدولمة باصبعين.
تطبخ على نار عالية لمدة 25 دقيقة، ثم نشيل الصحن الزجاج اللي على الدولمة، ونضيف تمر هندي أو تمر الهند مذاباً في القليل من الماء الحار لإضافة النكهة الحامضة اللاذعة.
وتترك على النار الهادئة لمدة 25 دقيقة.
ملاحظة: لا يوضع تمر الهند من البداية وإلا تجزر الخضار بمعنى تبقة تكرط وما تستوي.


وبالعافيـــــــــة.....
 

© Copyright يـوميـات مغتـربة . All Rights Reserved.

Designed by TemplateWorld and sponsored by SmashingMagazine

Blogger Template created by Deluxe Templates