ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا

هذه الصورة الحقيقية للعجوز الذي رأيته في المستشفى
كنت جالسة في استقبال المستشفى بانتظار أن يأتي ملفي، جالسة أقرأ كالعادة كتاباً أنغمس فيه حتى أنسى ما حولي إلى يأتي دوري، بنفس الوقت كنت أحب أن أتخيل أني عمياء، فهل سأستطيع تمييز الأصوات القادمة، اتجاه الحركة، تخمين ما أستطيع عن شخصية القادم أو الذاهب من الأصوات، من صوت الحذاء حجمه على الأرض، الفراغ الذي يمتلأ، أحاول أن أخمن جنسية كل شخص من الجالسين، تخيل حياتهم، خلفياتهم الاجتماعية، فهذه أخت تلك، وهذه مغربية لكنها متزوجة من إماراتي، وتلك طالبة جامعة، وتلك سيدة كبيرة وابنتها، وتلك متعبة من الأطفال وملاحقتهم.
ربما أكون فضولية لكني لا أزعج أحداً، وفي النهاية أنا أنمي مهاراتي وأنشط عقلي، وهو أمر مفيد فعلاً.. عموماَ.. كنت منغمسة في القراءة وسمعت صوت الأزيز، مطاط يحتك بسطح ناعم، مع بعض الصرير، إنه كرسي متحرك، صوت امرأة هندية أو باكستانية لا أعرف، صوت كعب إذن هي تدفع الكرسي، الجسم الجالس على الكرسي ليس ضخماً، فهي تدفع الكرسي بسهولة، تتوقف أمام الاستقبال، ثم فجأة يندفع الكرسي لكنه اندفاع سريع لا يدل أن المرأة تمشي وراءه إلا إذا كانت تركض!
رفعت عيني في اللحظة التي ارتطم فيها الكرسي المتحرك بالكراسي البلاستيكية المصطفة في الانتظار!
وبحنق اتجهت بعيني إلى المرأة التي دفعت الكرسي!
نعم دفعته لأن الأرض منبسطة وليست مائلة حتى يندفع الكرسي بهذه القوة وبهذا الاتجاه!
نظرت في عينيها، فردت بنظرة منزعجة باعتبار أن الأمر ليس من شأني..
التفت إلى الكرسي، وانقبض قلبي..
وجدت الرجل العجوز منحني الظهر العاجز عن تحريك يده لنش الذباب عنها، ملامحه متغضنة، عجزت عن تبين مشاعره عبرها، هل هو شلل ما؟ أم أنه تعود على ما فعلته المرأة (والواضح أنها ابنته)؟ أم أن عقله غائب عن العالم لسبب ما؟
واضح أن المراجعة تخصه، وأقدر للمرأة المجيء به إلى المستشفى، لكن القليل من المعاملة الإنسانية لا تضر!
شعرت بالألم.. فهي تظن أنها تقوم بواجبها نحوه، وتحضره إلى المستشفى، وتضعه في الكرسي، تتنقل به من مكان إلى آخر.. دفع تكاليف المعاملات حيث يجب الدفع لكل شيء.. كل هذا جميل.. لكن.. ربما لو تركته يموت في البيت مع بعض المعاملة الإنسانية، اللطيفة، ابتسامة، كلمة جميلة بارّة، عناية، محبة، عطف، حنان.. ربما كان ليفضل ذلك..
غداً أكون أنا محله.. وأنا الآن مكان المرأة..
يجب أن استغل كل لحظة في بر والدي.. لا يعرف الإنسان متى يموت؟ ولا هل سيمكنه أن يرد ولو جزءاً مما قاموا به من أجلنا؟
هل من الممكن أن أسأم من والديّ إذا كبرا وعجزا؟
هل سأشعر بأن العناية بهما واجب لا أريد القيام به؟
هل من الممكن أن أتعاجز أو أتكاسل عن غمرهما بالعطف والحب كما يفعلان معي؟؟
بدأت أخاف من نفسي.. سبحان الله كل شيء جائز!
وغداً هل سيقف أولادي معي؟
هل سيحموني؟ يعتنون بي؟ يحبونني؟
هل سأحتاج لتحمل الجفاء والإهانات في سبيل أن أجد من يعتني بي؟
أم أني أفضل الموت بكرامة بين وجوه محبة؟
بروا آباءكم تبركم أبناءكم! سبحان الله..
اللهم أعنا على بر والدينا.. وارحمهما واغفر لهما وارض عنهما رضاً تحل به عليهم جوامع رضوانك، وتحلهم به دار كرامتك وأمانتك، ومواطن عفوك وغفرانك، وأدر به عليهم لطفك وإحسانك، اللهم يا بر يا رحيم بِرَّهم أضعاف ما كانوا يبروننا، وانظر اليهم بعين الرحمة كما كانوا ينظرون إلينا.
آميييييييييييين


4 التعليقات:

غير معرف يقول...

i know what you mean, i was there but in different situation when my dad passed away, although the death of the beloved ones is not easy but the way they die, make it less harder, when you know they pass with a relieved heart, you would know they are happy up there, and you would wish to have the same death, when the people who cares for you are there.
take care :)

Khalid from iraqiblogupdates.blogspot.com/ يقول...

اللهم أعنا على بر والدينا.. وارحمهما واغفر لهما وارض عنهما رضاً تحل به عليهم جوامع رضوانك، وتحلهم به دار كرامتك وأمانتك، ومواطن عفوك وغفرانك، وأدر به عليهم لطفك وإحسانك، اللهم يا بر يا رحيم بِرَّهم أضعاف ما كانوا يبروننا، وانظر اليهم بعين الرحمة كما كانوا ينظرون إلينا.

اقرأ الدعاء ايتها الاخت الفاضلة زهرة الراوي واشكرك على نشره وكذلك على تطرقك الى موضع هام جداً كهذا.

تقبلي مني الاحترام والشكر والتقدير

والله الموفق

زهرة الراوي يقول...

Dear Alaa,
I'm sorry for your father; it's true that dying with smile is a relief, which is better than suffering or living a life without dignity like this poor old man.
I hope everybody get a calm and happy ending between their beloved people.

الأخ الكريم خالد..
أهلاً بك مجدداً في عالم المدونات :)
أشكر تعليقك الكريم..

دعود يقول...

مقابلة مع اياد جمال الدين معلقا عبثية المشاكل مع القانون الانتخابي ، واستمرار قضايا الفساد التي يعاني منها الحكومة العراقية

السيد اياد جمال الدين رئيس تجمع احرار يكشف الحقيقة عن مدى تفشي الفساد داخل الحكومة العراقية وعن عدم ارتياحه لطريقة أستغلال البعض للبطاقة التموينية والاعتماد عليها في توزيع المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة.

" وهذا ظلم لحقوق الشعب العراقي, فضلا عن انها تصدر من وزارة التجارة التي تعتبر المؤسسة الاكثر فسادا في البلاد". ( أقوال السيد اياد جمال الدين)

لمعرفة الحقيقة حول السياسة العراقية يمكنكم الليلة مشاهدة المقابلة كاملة على قناة العراق الفضائية (بتأريخ 22 نوفمبر/الساعة 8:30 مساءا")
لمزيد من المعلومات، يرجى الاتصال على:

المدير الإعلامي
هاتف: +964 (0)790 157 4478 / +964 (0)790 157 4479 / +964 (0)771 275 2942
press@ahrarparty.com

 

© Copyright يـوميـات مغتـربة . All Rights Reserved.

Designed by TemplateWorld and sponsored by SmashingMagazine

Blogger Template created by Deluxe Templates