عقــــــــــــــاب


نشأت في ذاك القصر البعيد ..
مكان منعزل ..
جدران عالية ..
لكن الجنة كانت هناك ..
كنت أملك كل الوقت هناك ..
أمشي على المساحات الخضراء الشاسعة ..
أقفز هنا وهناك .. أحب سماع حفيف ثيابي على العشب .. والهمسات الرقيقة التي تهمسها الزهور وهي تتمايل يميناً ويساراً ..
اللون الأخضر الذي يتدرج مع هبوب الرياح ..
أشجار عالية .. أستلقي تحتها أطالع أوراقها الخضراء التي تبدو ذهبية من حيث أستلقي حيث تتخلها أشعة الشمس الهادئة..
في تلك الأرض .. وراء التلة .. يوجد نهير صغير ..
خرير الماء الصافي يمتزج مع زقزقة العصافير .. عازفاً موسيقى لا يستطيع أكبر عازف أوركسترا أن يعزفها ..
بين الفينة والأخرى ينتقل طائرمن مكان إلى آخر ..
يقترب مني .. يقف على يدي .. فهو متعود على وجودي ..
أقدم له بعض الحبوب .. يحملها ثم يطير إلى عشه ويناولها لصغاره ..
الهدوء والجمال لم يدعا لي مجالاً للتفكير ..
كل ما أشاؤه أفعله ..
الجميع تحت أمري ..
غير أني أردت أن أشاهد شيئاً آخر ..
كنت أسمع عن غرف في علية القصر ..
من غير المسموح دخولها ..
وطوال عمري لم أفكر فيها ..
لكن .. هذه المرة .. كلما أحاول النظر إلى شيء ما أو الاستمتاع بشيء ما .. ينتقل تفكيري إلى تلك الغرف..
ترى ماذا تحتوي ؟؟
ولم يغلقونها؟؟
هل خوفاً عليّ مما بها ؟؟
أم ربما خوفاً على ما فيها؟؟
لن أستطيع أن أعرف إن لم أفتحها ..
ولأول مرة في حياتي أفكر في عصيان الأومر ..
أتحين الوقت ..
أتحسس الخطا ..
قلبي يتوقف لحظات .. لكني آخذ نفساً عميقاً وأمضي ..
بهدوء .. بخفة ..
وقفت أمام الباب ..
تتسارع دقات قلبي ..
أضع يدي على مقبض الباب ..
هل أفتح؟؟
هل هذا هو القرار الصائب ؟؟
ماذا سيحدث لو فتحته؟؟
فكرت .. إن لم أفتحه الآن لن أفتحه إلى الأبد ..
أدرت المقبض ودفعت الباب ..
الظلام دامس في الغرفة ..
من حجم الفراغ وصوت الهواء أعرف أن الغرفة عالية السقف .. كبيرة جداً ..
ما أن خطوت داخل الغرفة حتى أضيء جزء في وسط الغرفة ..
ورأيتها ..
سلسلة كبيرة ضخمة ..
حلقة مرتبطة بأخرى ..
تتدلى من وسط السقف العالي ..
سلسلة ذهبية فاخرة ..
في نهايتها شكل لم أفهمه ..
في الجزء العلوي منه قوسان متجاوران .. أما جزءه الأسفل فهو مدبب الحافة ..
كان هناك ..
يبرق.. يلمع ..
بجمال لم يسبق أن رأيته في إحدى التحفيات التي تملأ القصر ..
وقفت هناك مشدوهة .. أراقبه .. أحاول فهمه ..
أريد التقدم للمسه ..
لكني كنت مسحورة .. وخائفة ..
لا أعرف كم وقفت هناك ..
فجأة .. سمعت الصرخة قادمة من ناحية الباب ..
"أمسكوها"
هجمت عليّ السلاسل .. واقتادتني الأيدي ..
ماذا سيفعلون بي ؟؟
إلى أين يأخذونني ؟؟
أنزل أنزل أنزل أنزل ..
درجات بعد درجات ..
تعبت ..
إلى أين يقودونني ..
لم أكن أعرف بهذه الأماكن قبلاً !!
أخيراً وصلنا غرفة صغيرة حقيرة ..
ما أن دخلناها حتى تراكضت الفئران تحاول الاختفاء عن أنظارنا ..
ألقوني بقوة وسط الغرفة، وأغلقوا الباب ..
ترى ما الذي فعلته يستحق هذا؟؟
لابد أن الأمور ستتضح بعد قليل ..
لا يمكن أن يتم فعل هذا بي لمجرد تحفة بسيطة!!
.................
أيام طويلة مضت وأنا أحدق في الظلام .. متساءلة هل فقدت بصري؟؟
لم تركوني هنا؟؟
ما الذي سيحدث الآن ؟؟
لم أسمع شيئاً أبداً .. هل فقدت سمعي ؟؟
لحظات بسيطة اسمع فيها من حولي حركة المخلوقات لكني أعتقد أني أتخيلها .. لطالما استيقظت على حركة قريبة من يدي أو قدمي .. أصرخ .. ويطير النوم من عيني ..
تعبت .. أنهكت ..
أخيراً أسمع صوتاً ..
هل أتوا ليخرجوني ؟؟
أتحسس ما حولي أحاول البحث عن مكان الباب ..
فُتح الباب .. ابتسمت فرحة ..
لكنهم سحبوني بقوة .. أخذوني إلى غرفة أخرى .. ألقوني على كرسي وقيدوني إليه ..
وجهوا على وجهي إضاءة قوية .. كانت تحرق عيني ..
أجبروني على النظر إليها ..
أمامها كان صنبور ماء .. ينزل الماء منه قطرة قطرة قطرة ..
تركوا أحدهم ليوقظني كل لحظة تحاول عيني فيها الانغلاق ..
بعد فترة أظنها طويلة طويلة ..
لم أعد أستطيع أن أتحمل صوت القطرات ..
تقتادني للجنون ..
أخذت أبكي ..
أريد أن أنام .. أوقفوا صوت القطرات الذي يدق في روحي ..
بكيت وبكيت .. حتى صرت أضحك ..
لم أعد أعي ما حولي .. أبكي وأضحك .. أصرخ حيناً ..وأنوح حيناً ..
لم أعد أرى سوى شمس كبيرة تكاد تحرقني ..
العالم شمس كبيرة .. وصوت مطرقة تتفجر في أعماقي ..
لا أعرف متى نُقلت من هناك ..
لكني فتحت عيني لأشعر بوجهي على أرض حجرية ..
حاولت القيام من مكاني ..
لكن قواي خائرة ..
وبعد فترة استطعت أن أرفع وجهي عن الأرض لأتكئ على يدي ..
متعبة جداً .. متسخة .. لا أعي كثيراً مما حولي ..
رفعت رأسي عالياً .. أحاول البحث عن أمل ..
رأيتهم يدخلون ليجلسوا خلف منصاتهم المرتفعة ..
قضاة !!
لكن ما أنزل الرعب في قلبي هو رئيس القضاة ..
عدا عن ثيابه السوداء .. وتلك الباروكة البيضاء والوجه الجاد الصارم ..
فقد كان غريباً أن هذا القاضي فتاة .. بل وتشبهني !!
بالحقيقة لو أمعنت أكثر .. إنها أنا ..
هل فقدت عقلي ؟؟
"نعم أنا أنت"
نطقتْ بها من علّ ..
"لماذا؟؟؟ وكيف؟؟" لم أنطقها حيث أختنقت في حلقي تلك الكلمات ..
حديث طويل لا أستطيع متابعته .. وعقلي لا يزال يفكر "كيف؟؟"
صوت مطرقة عالية ..
حكمت المحكمة .. " الجلد مئة مرة .. والحبس أعواماً طويلة "
"لكن....." لم أستطع حتى نطقها في قلبي ..
فقد تم سحبي سريعاً وإلقائي في ذات السجن الحقير ..
لم أستطع الدفاع عن نفسي ..

لم أجد الفرضة حتى ..
تُركت هناك .. أفقد روحي ..
ألا يحق لي أن أدافع عن نفسي ؟؟ أن أطالب بحياتي ؟؟ أن أعيش؟؟
لكن .. أدافع ضد ماذا؟؟ وأمام من؟؟ نفسي ؟؟




2 التعليقات:

غير معرف يقول...

عجبتني كلش

دمعت عيوني

باختصار

انتي رووووووووووووعه

قلت لج انتي قاسيه على نفسج ..

زهرة الراوي يقول...

I have to be!
Remember..
With privileges come obligations!
Thank youuuuu :)

 

© Copyright يـوميـات مغتـربة . All Rights Reserved.

Designed by TemplateWorld and sponsored by SmashingMagazine

Blogger Template created by Deluxe Templates